الخليل فيه وهي كثيرة تبلغ عدة مئين» (١).
وبالتالي فقد تأثر الفرّاء بآراء الخليل مباشرة من خلال قراءته لكتاب سيبويه الذي يحمل الكثير من آراء الخليل.
إذا كانت البصرة قد سبقت الكوفة إلى الدراسة اللغوية زمنا طويلا ، شهدت نحوا اصطلاحيا قبل أن تشهده الكوفة كما شهدت نحاة كان لهم أثر كبير في النهوض بهذه الدراسة (٢) ، وإذا كان الخليل نبعا ثريا للمدرستين فلا شك أن للخليل دوره الكبير في وضع كثير من المصطلحات ، حفظها عنه عالم العربية الكبير سيبويه ونقلها إلى التاريخ العربي من خلال (الكتاب).
صحيح أن المصطلحات النحوية لم تكن قد استقرّ معناها وتحدد بشكل نهائي إلا أن الفضل يرجع لمن ذكرها لأول مرّة ، وليس بين أيدينا مصدر يدل على أن وضع هذه المصطلحات النحوية غير المستقرة قبل الخليل. لهذا يكون الخليل المصدر الأول في وضع هذه المصطلحات من خلال ما نقله عنه تلميذه الوفيّ سيبويه في كتابه ، وما أثر عنه مكتوبا في منظومته وكذلك في كتابه «الجمل» بل هناك من ذهب إلى أبعد من ذلك ، فها هو ذا باحث محدث (٣) يذكر تلاميذ الخليل جميعهم ثم يقول : «وهل نكون مغالين إذا قلنا : إن الخليل أنشأ مدارس بعدد هؤلاء التلاميذ؟ كلا ، فهذا هو الحق لا مرية فيه ، لأن كل واحد منهم كوّن بمجهوده الشخصي مدرسة قوية الدعائم ، ظاهرة الأثر ، لها خصائصها ومميزاتها ، وطابعها الذي مهّد لها الانتشار والذيوع فيما بعد ، مما كان له أكبر الأثر في المناظرات بين البصرة والكوفة ، ولا جرم أن هذه المدارس ـ وليدة مدرسة الخليل ـ سهرت على تنمية العلم النافع ، وإذاعة المعارف ، وإنارة العقول وتحريرها من ربقة الجهالة ، ونير الذل ،
__________________
(١) المدارس النحوية ٣٨.
(٢) مدرسة الكوفة ٣٢٩.
(٣) الأستاذ عبد الحفيظ أبو السعود في كتابه (الخليل بن أحمد) ص ٣٧ ، ٣٨.