يلزم أن تكون بعدها نون ، ألا ترى أنك تقول : يضربان زيدا ويكرمونك. ولا تلزم هي أيضا نحو : لم يضرباني ، ومن أدغم نحو هذا ، واحتجّ بأن المثلين في كلمة واحدة فقال يضرباني : و (قُلْ أَتُحَاجُّونَنا) [البقرة : ١٣٩] فإنه يدغم أيضا نحو اقتتل فتقول : قتّل ، ومنهم من يقول : قتّل ، ومنهم من يقول : قتّل ، ومنهم من يقول : اقتّل فيثبت همزة الوصل مع حركة الفاء لما كانت الحركة عارضة للثقل أو لالتقاء الساكنين.
ومن الثاني : قولهم (ها الله) أجري مجرى دابّة وشابّة ، وكذلك قراءة من قرأ فلا تّناجوا [المجادلة : ٩] و (حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها) [الأعراف : ٣٨] ومنه عندي قول الراجز :
١٨ ـ في أيّ يوميّ من الموت أفر |
|
أيوم لم يقدر ام يوم قدر |
كذا أنشده أبو زيد (يقدر) بفتح الراء ، وقال : أراد النون الخفيفة فحذفها ، وحذف نون التوكيد وغيرها من علاماته جار عندنا مجرى إدغام الملحق في أنه نقض الغرض ، إذ كان التوكيد من مظانّ الإسهاب والإطناب ، والحذف من مظانّ الاختصار والإيجاز ، لكن القول فيه عندي أنه أراد : أيوم لم يقدر أم يوم قدر ، ثم خفّف همزة أم فحذفها ، وألقى حركتها على راء يقدر ، فصار تقديره : أيوم لم يقدرم ، ثم أشبع فتحة الراء فصار تقديره : أيوم لم يقدر أم ، فحرّك الألف لالتقاء الساكنين ، وانقلبت همزة فصار تقديره : (يقدر أم) ، واختار الفتحة إتباعا لفتحة الراء. ونحو من هذا التخفيف قولهم في المرأة والكمأة إذا خفّفت الهمزة : المراة والكماة.
وكنت ذاكرت الشيخ أبا علي بهذا منذ بضع عشرة سنة فقال : هذا إنما يجوز في المنفصل ، قلت له فأنت أبدا تكرر ذكر إجرائهم المنفصل مجرى المتصل فلم يردّ شيئا.
ومن ذاك إجراء المنفصل مجرى المتّصل قوله : [السريع]
١٩ ـ [رحب وفي رجليك ما فيهما] |
|
وقد بدا هنك من المئزر |
__________________
١٨ ـ الشاهد للإمام علي بن أبي طالب في ديوانه (ص ٧٩) ، وحماسة البحتري (ص ٣٧) ، وللحارث بن منذر الجرمي في شرح شواهد المغني (٢ / ٦٧٤) ، وبلا نسبة في الخصائص (٣ / ٩٤) ، والجنى الداني (ص ٢٦٧) ، وشرح الأشموني (٣ / ٥٧٨) ، ولسان العرب (قدر) ، والمحتسب (٢ / ٣٦٦) ، ومغني اللبيب (١ / ٢٧٧) ، والممتع في التصريف (١ / ٣٢٢) ، ونوادر أبي زيد (١٣).
١٩ ـ الشاهد للأقيشر الأسدي في ديوانه (٤٣) ، وخزانة الأدب (٤ / ٤٨٤) ، والدرر (١ / ١٧٤) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ٣٩١) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٥١٦) ، وللفرزدق في الشعر والشعراء (١ / ١٠٦) ، وبلا نسبة في الكتاب (٤ / ٣١٧) ، وتخليص الشواهد (٦٣) ، والخصائص (٣ / ٩٥) ، ورصف المباني (ص ٣٢٧) ، وشرح المفصّل (١ / ٤٨) ، ولسان العرب (وأل) و (هنا) ، وهمع الهوامع (١ / ٥٤).