إذا علمت ذلك فتتفرع عليه فروع :
الفرع الأول : اختصاص الرفع بما اختصّ به والنصب والكسر بما اختص به ، وذلك أن المرفوعات قليلة بالنسبة إلى المنصوبات إذ هي الفاعل والمبتدأ والخبر ، وما ألحق بها من نائب الفاعل ، واسم كان ، وخبر إن ، بخلاف المنصوبات فإنها أكثر من عشرة ، فجعل الأثقل للأقل لقلة دورانه ، والأخف للأكثر ليسهل ويعتدل الكلام بتخفيف ما يكثر وتثقيل ما يقل.
وأيضا فالمرفوع لا يتعدد منه سوى الخبر على خلاف ، والفرع الواحد من المنصوبات يتعدد ، كالمفعول به والظرف والحال والمستثنى ، قال الزجاجي : الفعل ليس له إلا مرفوع واحد وينصب عشرة أشياء ، ولما كانت المجرورات أكثر من المرفوعات وأقل من المنصوبات أعطيت الحركة الوسطى في الثقل والخفة.
الفرع الثاني : اختصاص الضم بما بني عليه والفتح والكسر بما بني عليه لما ذكر أيضا ، فإن المبني على الفتح أكثر من المبني على الكسر ، ومنه ما كان بجوار ياء ، نحو : أين وكيف ، فزاد بعدا عن الكسرة طلبا للخفة ، إذ هو مع الياء أثقل منه وحده ، والمبني على الضم أقل من المبني على الكسر ، إذ لم يبن عليه إلا حيث والظروف الستة وغير وأي في بعض أحوالها والمنادى وبعض الضمائر.
الثالث : اختصاص نون التثنية بالكسر ونون الجمع بالفتح لثقل الجمع ، فأعطى الأخفّ ، وأعطيت التثنية لخفتها الكسر ليتعادلا.
الرابع : قلة وجود الضم في جنس الفعل فلم يوجد فيه إلا إعرابا في بعض الأحوال وذلك لأنه أثقل من الأسماء ، فنحي في الغالب عن الضم لئلا يكثر الثقل.
الخامس : امتناع الجرّ والكسر في الأفعال جملة فرارا من الثقل أيضا. وفي (البسيط) : لا خلاف أن الفتح أخفّ عندهم من الكسر ، والألف أخفّ من الياء ، وفيه الفتحة أقرب إلى الكسرة من الضمة ، ولذا حمل الجرّ على النصب في ما لا ينصرف ، والنصب على الجر في جمع المؤنث السالم حملا على القرب.
وقال السّخاوي في (شرح المفصل) : قال الخليل : أول الحركات الضمة لأنها من الشفة ، وأول ما يقع في الكلام الفاعل ، فكان حق الكلام إذا حمل على المشاكلة أن يقسم أول الحركات لأول الأشياء.
وقال ابن الدهان في (الغرّة) : الضمة والكسرة مستثقلتان مباينتان للسكون ، والفتحة قريبة من السكون بدلالة أن العرب تفرّ إلى الفتحة كما تفرّ إلى السكون من