«الملأ» كما أشرنا إلى ذلك سابقا تطلق على الأشرف الأثرياء اللامعين الذين يملأ ظاهرهم العيون ويلاحظ حضورهم في كل مكان من المجتمع. وتأتي عادة في مثل هذه الآيات محل البحث بمعنى المناصرين والمشاورين والملتفين حول شخص ما.
ونرى الكلام في هذه الآيات يدور حول بعثة موسى إلى فرعون وملئه فقط ، في حين أنّ موسى مبعوث لكل الفراعنة وبني إسرائيل ، وعلّة ذلك أنّ مقدرات المجتمع في يد الهيئة الحاكمة ، وبناء على هذا فإنّ أي برنامج إصلاحي وثوري يجب أن يستهدف هؤلاء أوّلا ، كما تقول ذلك الآية (١٢) من سورة التوبة : (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ).
إلّا أنّ فرعون وأتباعه امتنعوا عن قبول دعوة موسى ، وعن التسليم في مقابل الحق : (فَاسْتَكْبَرُوا) ونظرا للتكبر والاستعلاء وعدم امتلاكهم لروح التواضع فإنّهم لم يلتفتوا إلى الحقائق الواضحة في دعوة موسى ، وأصرّوا واستمروا في إجرامهم : (وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ).
وتتحدث الآية التّالية عن مراحل مواجهة الفراعنة لموسى وأخيه هارون ، وأوّل تلك المراحل هي مرحلة الإنكار والتكذيب والافتراء واتهامهما بسوء النية ، وابطال سنن الأجداد، والإخلال بالنظام الاجتماعي ، كما يقول القرآن : (فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ).
إنّ جاذبية دعوة موسى الخارقة من جهة ، ومعجزاته الباهرة من جهة أخرى ، وتزايد نفوذه بصورة محيرة من جهة ثالثة ، دفعت الفراعنة إلى التفكير في حل لهذه المسألة ، فلم يجدوا وسيلة أفضل من رميه بالسحر ، فأعلنوا أنّه ساحر وأنّ عمله سحر ليس إلّا ، وهذه التهمة سائدة في جميع مراحل الأنبياء وعلى طول تاريخهم ، خاصّة نبي الإسلامصلىاللهعليهوآلهوسلم.
إلّا أنّ موسى عليهالسلام نهض للدفاع عن نفسه ، فأزاح الستار وأوضح كذب هؤلاء