إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا».
البحث :
تأمل أمثلة الطائفة الأولى تجد أن ألفاظها فى كل مثال على قلّتها جمعت معانى كثيرة متزاحمة. فالمثال الأول تضمّن كلمتين استوعبتا جميع الأشياء والشئون على وجه الاستقصاء. حتى لقد روى أن ابن عمر رضى الله عنه قرأها فقال : من بقى له شىء فليطلبه. والمثال الثانى آية فى البلاغة والحسن ، فقد جمع من آداب السفر والعطف على الضعيف ما لا يسهل على البليغ أن يعبّر عنه إلّا بالقول المسهب الطويل. وكذلك الحال فى المثال الثالث. وهذا الأسلوب من الكلام يسمى إيجازا. ولما كان مدار الإيجاز هنا على اتساع الألفاظ القليلة للمعانى المتكاثرة والأغراض المتزاحمة ، لا على حذف بعض كلمات أو جمل ، سمّى إيجاز قصر
تأمل أمثلة الطائفة الثانية تجد أنها موجزة أيضا ، وإذا أردت أن تعرف سرّ الإيجاز فيها فانظر إلى المثال الأول تجد أنه قد حذف منه كلمة ، إذ تقدير الكلام فيه وجاء أمر ربك ، وانظر إلى المثال الثانى تجد أنه حذف منه جملة هى جواب القسم ، إذ تقدير الكلام «ق والقرآن المجيد» لتبعثنّ. أمّا المثال الثالث فالمحذوف فيه جمل عدة ، ونظم الكلام من غير حذف أن يقال : فذهبتا إلى أبيهما ، وقصّتا عليه ما كان من أمر موسى ، فأرسل إليه ، «فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ».
ولما كان سبب الإيجاز فى هذه الأمثلة هو الحذف سمى إيجاز حذف ويشترط فى هذا النوع من الإيجاز أن يقوم دليل على المحذوف ، وإلا كان الحذف ريئا والكلام غير مقبول.