(٦) وقال أبو تمام :
ليس الحجاب بمقص عنك لى أملا |
|
إنّ السّماء ترجّى حين تحتجب (١) |
البحث :
يقصد علماء المعانى بكلمة «الوصل» عطف جملة على أخرى «بالواو» (٢) كقول الأبيوردى يخاطب الدهر :
العبد ريّان من نعمى تجود بها |
|
والحرّ ملتهب الأحشاء من ظمإ (٣) |
ويقصدون بالفصل ترك هذا العطف ، كقول المعرى :
لا تطلبنّ بآلة لك حاجة |
|
قلم البليغ بغير حظّ مغزل |
هذا ولكل من الفصل والوصل مواطن تدعو إليها الحاجة ويقتضيها المقام ، وسنبدأ لك بمواطن الفصل :
تأمل أمثلة الطائفة الأولى تجد بين الجملة الأولى والثانية فى كل مثال تآلفا تامّا ، فالجملة الثانية فى المثال الأول ، وهى «إذا قلت شعرا أصبح الدّهر منشدا» لم تجئ إلا توكيدا للأولى ، وهى جملة «وما الدهر إلا من رواة قصائدى» ، فإن معنى الجملتين واحد. والجملة الثانية فى المثال الثانى «بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم» ، ما جاءت إلا لإيضاح الأولى «الناس للناس من بدو وحاضرة» ، فهى بيان لها ، والجملة الثانية فى المثال الثالث جزء من معنى الأولى ؛ لأن تفصيل الآيات بعض
__________________
(١) المراد بالحجاب احتجاب الممدوح عن قصاده ، ومقص : مبعد ، وتحتجب : تختفى تحت الغيوم.
(٢) إنما قصر علماء المعانى عنايتهم فى هذا الباب على البحث فى عطف الجمل «بالواو» دون بقية حروف العطف ؛ لأنها هى الأداة التى تخفى الحاجة إليها ، ويحتاج العطف بها إلى لطف فى الفهم ودقة فى الإدراك ، إذ أنها لا تدل إلا على مطلق الجمع والاشتراك ، أما غيرها من حروف العطف فتفيد معانى زائدة ، كالترتيب مع التعقيب فى الفاء ، والترتيب مع التراخى فى ثم ، وهلم جرّا ، ومن أجل ذلك سهل إدراك مواطنها.
(٣) الريان : ضد الظمآن ، والنعمى : النعمة.