العزيز الحكيم» فن من فنون البلاغة ، منقطع النظير ، صعب الإدراك ، يحتاج المتأمل فيه الى الكثير من رهافة الحسّ ، وشعوف الطبع ، ويسمى فن التخيير. وحدّده علماء البلاغة بأن يأتي الشاعر أو الناثر بفصل من الكلام أو بيت من الشعر يسوغ أن يقفّى بقواف شتى فيتخير منها قافية مرجحة على سائرها ، ويستدل بإيثاره إياها على حسن اختياره وصدق حسه ، وقد تقضي البداهة الأولى بأن تكون غير ما اختاره ، ولكنه عزف عن ذلك لسرّ دقيق كقول أحدهم :
إنّ الغريب الطويل الذيل ممتهن |
|
فكيف حال غريب ما له قوت |
فإنه يسوغ أن يقول : ما له نشب ، أو ما له سيد ، أو ما له أحد.
وإذا نظرت الى ما قاله وهو : «ماله قوت» وجدتها أبلغ من الجميع ، وأدلّ على الفاقة والعوز ، وأمسّ بذكر الحاجة ، وأشجى للقلوب ، وأدعى للاستعطاف. فذلك رجحت على ما سواها.
القول في الآية :
ونعود بعد هذا التعريف السريع لهذا الفن الى الآية التي نحن بصددها فنقول : إن البداهة البدائية تقضي بأن تكون الفاصلة :«إنك أنت الغفور الرحيم» لملاءمتها لقوله : «إن تغفر» ولمناسبته ما بين الغفران والغفور ، ولكنّ هذا الوهم الناجم عن هذه البداهة سرعان ما يزول أثره عند ما يذكر المتوهم أن هؤلاء قد استحقوا العذاب دون الغفران ، فيجب أن تكون الفاصلة : «العزيز الحكيم» إذ لو