ثم تضيف الآية : (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً)؟! أي لا أحسن من الله صبغة ، (وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ) في اتباع ملّة إبراهيم التي هي صبغة الله ، وقيل المعنى : من نحن له عابدون يجب أن تتبع صبغته ، لا ما صبغنا عليه الآباء والأجداد (١).
وبهذا أمر القرآن بالتخلي عن الصبغات العنصرية والطائفية والذاتية وعن كل الصّبغات المفرّقة ، والاتّجاه نحو صبغة الله.
ذكر المفسرون أن النصارى دأبوا على غسل أبنائهم بعد ولادتهم في ماء أصفر اللون ، ويسمونه غسل التعميد ، ويجعلون ذلك تطهيرا للمولود من الذنب الذاتي الموروث من آدم!
القرآن يرفض هذا المنطق الخاوي ، ويقول : من الأفضل أن تتركوا هذه الصبغات الظاهرية الخرافية المفرقة ، وتصطبغوا بصبغة الله ، لتطهر روحكم.
ما أجمل تعبير «الصبغة» في هذه الآية! وما أروع هذه الدعوة إلى الاصطباغ بصبغة الله!
لو حدث ذلك ... لو اختارت البشرية صبغة الله ... أي صبغة الطهر والتقوى والعدالة والمساواة والأخوّة ... صبغة التوحيد والإخلاص ... لاستطاعت أن تستأصل جذور الشرك والنفاق والتفرقة ... إنّها في الحقيقة الصبغة التي لا لون بها وتطهر الإنسان من جميع الألوان.
وعن الإمام الصادق عليهالسلام : أن «صبغة الله» هي الإسلام (٢) ، وهذا إشارة إلى ما ذكرناه.
كان اليهود وغيرهم يحاجّون المسلمين بصور شتّى ، كانوا يقولون : إنّ جميع الأنبياء مبعوثون منا ، وإن ديننا أقدم الأديان ، وكتابنا أعرق الكتب السماوية.
__________________
في الآيات المتقدمة ، أو مفعول به لفعل محذوف والتقدير (اتبعوا صبغة الله) والله أعلم!
(١) مجمع البيان ، الآية.
(٢) نور الثقلين ، ج ١ ، ص ١٣٢.