نعطف النظر في أنّه هل تلكم الصحائف السوداء تلائم أن يكون صاحبها مصبّا لأقلّ منقبة له تُعزى إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فضلاً عن هذه النسب المزعومة أو لا؟ ولقد أوقفناك على حياته المشفوعة بالمخاريق ، ممّا لا يكاد أن يجامع شيئاً من المديح والإطراء ، أو أن تُعزى إليه حسنة ، ولا أحسب أنّك تجد من أيّام حياته يوماً خالياً عن الموبقات ، من سفك دماء زاكية ، وإخافة مؤمنين أبرياء ، وتشريد صلحاء لم يدنّسهم إثم ، ولا ألمّت بساحتهم جريرة ، ومعاداة للحقّ الواضح ، ورفض لطاعة إمام الوقت ، والبغي عليه ، وقتاله ، إلى جرائم جمّة يستكبرها الدين والشريعة ، ويستنكرها الكتاب والسنّة ، ولا يتسرّب إلى شيء منها الاجتهاد كما مرّ بيانه.
٢ ـ من ناحية عدم ملائمة هذه الفضائل المنحوتة لما روي وصحّ عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وما يُؤثر عن مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام ، وعن جمع من الصحابة العدول ، فإنّه ممّا لا يتّفق معها في شيء وقد أسلفنا من ذلك ما يناهز الثمانين حديثاً في هذا الجزء (ص ١٣٨ ـ ١٧٧).
فإنّك متى نظرت إليها ، واستشففت حقائقها دلّتك على أنّ رجل السوء ـ معاوية ـ جماع المآثم والجرائم ، وأنّه هو ذلك الممقوت عند صاحب الشريعة صلىاللهعليهوآلهوسلم ومن احتذى مثاله من خلفائه الراشدين ، وأصحابه السابقين الأوّلين المجتهدين حقّا ، المصيبين في اجتهادهم.
٣ ـ إنّا وجدنا نبيّ الرحمة صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ونظرنا في المأثور الثابت الصحيح عنه في طاغية الشام والأمر بقتاله ، والحثّ على مناوأته ، وتعريف من لاث به بأنّهم الفئة الباغية ، وأنّهم هم القاسطون ، وعهده إلى خليفته أمير المؤمنين عليهالسلام على أن يناضله ، ويكتسح معرّته ، ويكبح جماحه ، وقد علم صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه سيكون الخليفة المبايع له ، الواجب قتله ، وأنّه سيكون في عنقه دماء الصلحاء الأبرار التي لا يبيحها أيّ اجتهاد ، نظراء حجر بن عدي ، وعمرو بن الحمق ، وأصحابهما ، وكثير من البدريّين ، وجمع