وآخر يحطّ من قدره الرفيع ، أبعدهم ضلالاً الخوارج الذين يلعنونه على المنابر ، ويرضون على ابن ملجم شقيّ هذه الأُمّة ، وكذلك المروانيّة ، وقد قطع الله دابرهم ، وأقربهم ضلالاً الذين خطّئوه في حرب الناكثين ، والله سبحانه يقول : (فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) (١) فإن لم تصدق هذه في أمير المؤمنين ففي من تصدق؟!
مع أنّهم بغوا بغياً محقّقاً بعد استقرار الأمر له ، ولا عذر لهم ، ولا شبهة إلاّ الطلب بدم عثمان ، وقد أجاب رضى الله عنه بما هو جواب الشريعة فقال : «يحضر وارث عثمان ويدّعي ما شاء ، وأحكم بينهم بكتاب الله تعالى وسنّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم». أو كما قال. فإن تصحّ هذه الرواية ، وإلاّ فهي معلومة من حاله بل من حال من هو أدنى الناس من المتمسّكين بالشريعة ، وأمّا أنّه يقطع قطيعاً من غوغاء المسلمين الذين اجتمعوا على عثمان خمسمائة وأكثر ، بل قيل : إنّهم يبلغون نحو عشرة آلاف كما حكاه ابن حجر في الصواعق (٢) ، فيقتلهم عن بكرة أبيهم ، والقاتل واحد ، أربعة ، عشرة ، قيل : هما اثنان فقط. وذكره في الصواعق أيضاً (٣) ، فهذا ما يعتذر به عاقل ، ولكن كانت الدعوى باطلة والعلّة باطلة ، خلا أنّ طلحة والزبير وعائشة ومن يلحق بهم من تلك الدرجة التي يقدّر قدرها من الصحابة لا يشكّ عاقل في شبهة غلطوا فيها ، ولو بالتأويل لصلاح مقاصدهم!
وأمّا معاوية والخوارج فمقاصدهم بيّنة ، فإن لم يقاتلهم عليّ فمن يُقاتل؟ أمّا الخوارج فلا يرتاب في ضلالهم إلاّ ضالّ ، وأمّا معاوية فطالب ملك ، اقتحم فيه كلّ داهية ، وختمها بالبيعة ليزيد ، فالذي يزعم أنّه اجتهد فأخطأ ، لا نقول : اجتهد
__________________
(١) الحجرات : ٩.
(٢) الصواعق المحرقة : ص ٢١٦.
(٣) الصواعق المحرقة : ص ١١٨.