عليّ عليهالسلام واعتنقتها الأُمّة ببأسه ، وعرفتها ببيانه ، يسوّغ للرجل ما تقحّم فيه؟ نعم ؛ كانت ترات وإحن بين القبيلتين ـ أبناء هاشم وبني أُميّة ـ منذ العهد الجاهليّ ، وكان من عادات ذلك العهد وتقاليده نيل كلّ من الفئتين المتخاصمتين من الأخرى كيفما وقع ، وأينما أصاب ، وريثما انتهز الفرصة من تمكّن من الانتقام ، سواء حمل المنكوب شيئاً من الظلامة أولا ، فيقتل غير القاتل ، ويعذّب غير المجرم ، ويُؤاخذ غير الجاني ، شنشنة جاهليّة ثبت عليها الجاهلون ، واستمرّوا دائبين عليها حتى بعد انتحالهم الإسلام ، وإلى مثل هذا القياس كان يطمح معاوية ـ المجتهد في أعماله واجتهاده.
أيّ اجتهاد يسوّغ له دأبه على لعن الإمام المفدّى على صهوات المنابر ، وفي أدبار الصلوات ، حتى غيّر سنّة الله بتقديم خطبة صلاة العيدين عليها لإسماع الناس سبابه ، وكان يوبّخ الساكتين عن لعنه بملء فمه وصراحة لهجته؟ فبأيّ كتاب ، أم بأيّة سنّة ، أو إجماع ، أو قياس ، كان يستنبط هذا المجتهد الآثم إصراره على تلكم البدع المخزية؟
أيّ اجتهاد يُحتم عليه استقراء كلّ من والى عليّا أمير المؤمنين في الحواضر والأمصار وتقتيلهم ، وتشريدهم ، والتنكيل بهم ، وتعذيبهم بأشدّ العذاب ، ولم يرقب فيهم ذمّة الإسلام ولا إلّه (١) ، ولم يُراع فيهم حرمة الصحبة وصونها؟ أو يساعده على ذلك شيء من الآي الكريمة؟ أو أثارة من السنّة الشريفة؟ أو إجماع من أهل الدين؟ وأين هم؟! ـ وهم كلّهم مناوئو معاوية ومنفصلون عن آرائه ـ أو أنّ هناك قياساً خرج ملاكه من تلكم الحجج الثلاث؟
أيّ اجتهاد يُبيح له قذف عليّ عليهالسلام بالإلحاد ، والغيّ ، والبغي ، والضلال ، والعدوان ، والخبث ، والحسد ، إلى طامّات أخرى ، أو تحسب أنّك تجد حجّة على شيء من ذلك من مطاوي الكتاب الكريم؟ أو من تضاعيف السنّة النبويّة؟ أو من
__________________
(١) الإلّ : العهد ، القرابة.