وأمّا ثالثاً : فإنّا لا نحتجّ بالإجماع إلاّ بعد ثبوت حجيّته ، فإذا ثبتت فإنّها لا تختصّ بمورد دون آخر فيجب أن يكون حجّة في الخلافتين معاً من أبي بكر وعثمان ، ذلك على نصبه ، وهذا على استباحة قتله ، والنقض بخروج ثلاثة أو أربعة من ساقة الأمويّين أو ممّن يمت بهم ويحمل بين جنبيه نزعتهم في الإجماع على عثمان مقابلٌ بخروج أُمّة صالحة عن الإجماع الأوّل من أعيان الصحابة وفي طليعتهم سيّد العترة وإمام الأُمّة أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام والإمامان الحسنان والصدّيقة الطاهرة أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، إلى غيرهم من بني هاشم والعمد والدعائم من المهاجرين والأنصار ، ووفاقهم الأخير مشفوعاً بالترهيب لا يُعدّ وفاقاً ولا يكون متمّماً للإجماع ، فإنّهم كانوا مستمرّين على آرائهم وإن ألجأتهم الظروف وحذار وقوع الفرقة إن شهروا سيفاً وباشروا نضالاً إلى المغاضاة عن حقّهم الواضح والمماشاة مع القوم كيفما حلّوا وربطوا ، فهذا مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام يقول بعد منصرم أيّام الثلاثة في رحبة الكوفة :
«أما والله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة ، وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى ، ينحدر عنّي السيل ولا يرقى إليّ الطير ، فسدلت دونها ثوباً ، وطويت عنها كشحاً ، وطفقت أرتئي بين أن أَصول بيد جذّاء أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربّه ، فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجى ، أرى تراثي نهباً ، حتى مضى الأوّل لسبيله فأدلى بها إلى ابن الخطّاب بعده. ثمّ تمثّل بقول الأعشى :
شتّان ما يَوْمي على كورِها |
|
ويومُ حيّانَ أخي جابر |
فيا عجباً! بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته ، لشدّ ما تشطّرا ضرعيها ، فصيّرها في حوزة خشناء يغلُظ كلمها ، ويخشن مسّها ، ويكثر العثار فيها والاعتذار منها ، فصاحبها كراكب الصعبة ، إن أشنق لها خرم ، وإن أسلس