فإذا تجلى فى مرآة نظر قبول عين قلوبهم فالمتوقع منهم أن لا ينسونى من صالح
__________________
وإنما مرادهم بذلك : أن يكون العمل مما قد ثبت أنه مما يحبه الله ، أو مما يكرهه الله ينصّ أو إجماع ، كتلاوة القرآن ، والتسبيح والدعاء ، والصدقة ، والعتق ، والإحسان إلى الناس ، وكراهية الكذب والخيانة ، ونحو ذلك.
فإذا روى حديث فى فضل بعض الأعمال المستحبة وثوابها ، وكراهة بعض الأعمال وعقابها فمقادير الثواب والعقاب وأنواعه إذا روى فيها حديث لا نعلم أنه موضوع جازت روايته ، والعمل به ، بمعنى : أنّ النفس ترجو ذلك الثواب ، أو تخاف ذلك العقاب ، كرجل يعلم أن التجارة تربح ، لكن بلغه أنها تربح ربحا كثيرا ، فهذا إن صدّق نفعه ، وإن كذّب لم يضره.
ومثال ذلك الترغيب والترهيب بالإسرائيليات ، والمنامات ، وكلمات السّلف والعلماء ، ووقائع العلماء ، ونحو ذلك مما لا يجوز بمجرده إثبات حكم شرعى لا استحباب ولا غيره ، ولكن يجوز أن يذكر فى الترغيب والترهيب ، والترجية والتخويف.
فما علم حسنه ، أو قبحه بأدلة الشرع ، فإنّ ذلك ينفع ولا يضر ، وسواء كان فى نفس الأمر حقا ، أو باطلا ، فما علم أنه باطل موضوع لم يجز الالتفات إليه ، فإنّ الكذب لا يفيد شيئا.
وإذا ثبت أنه صحيح أثبتت به الأحكام ، وإذا احتمل الأمرين روى لإمكان صدقه ، ولعدم المضرة فى كذبه.
وأحمد إنما قال : «إذا جاء الترغيب والترهيب تساهلنا فى الأسانيد» ومعناه : انّا نروى فى ذلك الأسانيد وإن لم يكن محدثوها من الثقات الذين يحتجّ بهم.
وكذلك قول من قال : «يعمل بها فى فضائل الأعمال» إنما العمل بها فيها من الأعمال الصالحة مثل : التلاوة ، والذكر ، والاجتناب لما كره فيها من الأعمال السيئة.
ونظير هذا قول النبى صلىاللهعليهوسلم ، فى الحديث الذى رواه البخارى عن عبد الله بن عمرو : «بلّغوا عنى ولو آية ، وحدّثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب علىّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار».
مع قوله صلىاللهعليهوسلم ، فى الحديث الصحيح : «إذا حدثّكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم» فإنه رخص فى الحديث عنهم ، ومع هذا نهى عن تصديقهم وتكذيبهم ، فلو لم يكن فى التحديث المطلق عنهم فائدة لما رخّص فيه ، وأمر به. ولو جاز تصديقهم بمجرد الإخبار لما نهى عن تصديقهم ، فالنفوس تنتفع بما تظنّ صدقه فى مواضع.
فإذا تضمنت أحاديث الفضائل الضعيفة تقديرا وتحديدا ، مثل صلاة فى وقت معين بقراءة معينة ، أو على صفة معينة لم يجز ذلك ؛ لأنّ استحباب هذا الوصف المعين لم يثبت بدليل شرعى ، بخلاف ما لو روى فيه «من دخل السوق ، فقال : لا إله إلا الله كان له كذا وكذا» فإن ذكر الله فى السوق مستحبّ لما فيه من ذكر الله بين الغافلين ، كما جاء فى الحديث المعروف : «ذاكر الله فى الغافلين كالشجرة الخضراء بين الشجر اليابس».
فأما تقدير : الثواب المروى فيه فلا يضر ثبوته ولا عدم ثبوته ، وفى مثله جاء الحديث الذى رواه الترمذى : «من بلغه عن الله شىء فيه فضل ، فعمل به رجاء ذلك الفضل ، أعطاه الله ذلك.