وإن كانت الرواية : «يا محمد» تأدبا وحشمة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وقال العلماء : يجب الأدب مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد مماته كما فى حال حياته.
وقد روى عن أبى بكر الصديق رضى الله عنه أنه قال : لا ينبغى رفع الصوت عند النبى صلىاللهعليهوسلم حيا وميتا (١).
وروى عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ أنها كانت تسمع صوت الوتد يوتد فى بعض الدور المطنبة بمسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فترسل إليهم : لا تؤذوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
قالوا : وما عمل علىّ ـ رضى الله عنه ـ مصراعى داره بالمناصع توقيا عن ذلك.
وفى صحيح البخارى عن عمر ـ رضى الله عنه ـ أنه قال لرجلين من أهل الطائف : لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ضربا ؛ ترفعان أصواتكما فى مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٢).
ويروى أن أبا جعفر المنصور ناظر مالك بن أنس فى مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال له مالك : يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك فى هذا المسجد فإن الله تعالى أدب قوما فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ)(٣) الآية ، وذمّ قوما فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ)(٤) الآية. وإن حرمته كحرمته ميتا ، فاستكان له أبو جعفر ، ثم قال أبو جعفر : يا أبا عبد الله أأستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ فقال مالك : ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى الله تعالى يوم القيامة ، بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله تعالى (٥).
وروى عن النبى صلىاللهعليهوسلم أنه قال : لما اقترف آدم الخطيئة قال : يا رب أسألك بحق محمد أن تغفر لى ، فقال الله تعالى : وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه ، قال :
__________________
(١) انظر : المجموع ٨ / ٢١٧ ، فتح القدير ٢ / ٣٣٧.
(٢) أخرجه : البخارى ٢ / ٩٧ (الصلاة : باب رفع الصوت فى المساجد).
(٣) سورة الحجرات : آية ٣.
(٤) سورة الحجرات : آية ٤.
(٥) ذكر هذا الخبر ابن جماعة فى هداية السالك ٣ / ١٣٨١. وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذه القصة مكذوبة على الإمام مالك (مجموع الرسائل الكبرى ٢ / ٣٩١).