إلى السماء الدنيا فيباهى بأهل الموقف ملائكة السماء ، ويقول : انظروا إلى عبادى ، جاءونى شعثا غبرا ملبين من كل فج عميق وواد سحيق يرجون رحمتى ومغفرتى ، اشهدوا ملائكتى أنى قد غفرت لهم ذنوبهم ولو كانت كعدد الرمل أو كعدد القطر أو كزبد البحر» (١).
وقد ورد الأثر فى كثرة عتق الله تعالى فيه الرقاب من ربقة الآثام ، وتجاوزه فى ذلك الموقف الشريف عن الذنوب العظام.
وعن ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا أو أمة من النار من يوم عرفة» (٢).
وعن طلحة بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما رؤى الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه فى يوم عرفة» (٣) يحثو التراب على رأسه ويدعو بالويل والثبور على نفسه ، ويقول : يا ويلتاه ، جميع ما بنيته فى العمر الطويل بجهد الاستطاعة هدمه ابن آدم بفعله هذه الطاعة ، وما ذلك إلا لما يرى من تنزل الرحمة وتجاوز الله تعالى عن الذنوب العظام ، فعظم بذلك الموقف قدرا وأكرم بذلك المقام عزّا ، بلّغ الله إلى ذلك اليوم كل مشتاق إليه ونبه كل معرض عنه بالإقبال عليه.
عن أنس بن مالك ـ رضى الله عنه ـ قال : كنت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى مسجد الخيف ، فجاءه رجلان أحدهما أنصارى ، والآخر ثقفى ، فسلما عليه ودعوا له وقالا : جئناك يا رسول الله نسألك. فقال : «إن شئتما خبّرتكما عما جئتما تسألانى عنه ، وإن شئتما سكت فتسألانى» ، فقالا : بل أخبرنا يا رسول الله نزدد إيمانا ـ أو قالا : يقينا ، شك الراوى ـ فقال الأنصارى للثقفى فاسأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عما
__________________
(١) أخرجه : البغوى فى شرح السنة (١٩٢٣) ، وابن عبد البر فى التمهيد ١ / ١٢٠ ، وابن منده فى التوحيد ١ / ١٤٧ ، وابن خزيمة (٢٨٤٠) ، وابن حبان (١٠٠٦) ، والبيهقى فى الشعب (٤٠٦٨).
(٢) أخرجه : مسلم (الحج : ٤٣٦) ، ابن ماجه (٣٠١٤) ، النسائى (٣٠٠٣) ، الدارقطنى فى السنن ٢ / ٣٠١ ، البيهقى فى السنن ٥ / ١١٨.
(٣) أخرجه : مالك فى الموطأ ٢ / ٣٩٥ ، عبد الرزاق فى مصنفه (٨١٢٥) ، البيهقى فى الشعب (٤٠٦٩).