كقوله إن لم يقدم فلان وحكم الشرط أن يتعلق به جميع المذكور إذا كان بعضه معطوفا على بعض وذلك لأن الشرط يشبه الاستثناء الذي هو مشيئة الله عز وجل من حيث كان وجوده عاملا في رفع الكلام حتى لا يثبت منه شيء ألا ترى أنه ما لم يوجد الشرط لم يقع شيء وجائز أن لا يوجد الشرط أبدا فيبطل حكم الكلام رأسا ولا يثبت من الجزاء شيء فلذلك جاز رجوع الشرط إلى جميع المذكور كما جاز رجوع الاستثناء بمشيئة الله تعالى قال أبو بكر وقوله إلا أن يقدم فلان هو شرط وإن دخل عليه حرف الاستثناء وأما الاستثناء المحض الذي هو قوله (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا ـ وـ إِلَّا آلَ لُوطٍ) وما جرى مجراه فإنه لا يجوز دخوله لرفع حكم الكلام رأسا حتى لا يثبت منه شيء ألا ترى أن قوله (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً) لا بد من أن يكون حكمه ثابتا في وقت ما وإن من رد الاستثناء إليه فإنما يرفع حكمه في بعض الأوقات بعد ثبات حكمه في بعضها وكذلك قوله (إِلَّا آلَ لُوطٍ) غير جائز أن يكون رافعا لحكم النجاة عن الأولين وإنما عمل في بعض ما انتظمه لفظ العموم ويستدل بما ذكرنا على أن حقيقة هذا الضرب من الاستثناء رجوعه إلى ما يليه دون ما تقدمه وأن لا يرد إلى ما تقدمه إلا بدلالة وذلك لأنه لما استحال دخول هذا الاستثناء لرفع حكم الكلام رأسا حتى لا يثبت منه شيء وجب أن يكون مستعملا في البعض دون الكل فإذا وجب ذلك كان ذلك البعض الذي عمل فيه هو المتيقن دون غيره بمنزلة لفظ لا يصح اعتقاد العموم فيه فيكون حكمه مقصورا على الأقل المتيقن دون اعتبار لفظ العموم كذلك الاستثناء ولما جاز دخول شرط مشيئة الله تعالى وسائر شروط الأيمان لرفع حكم اللفظ رأسا وجب استعماله في جميع المذكور وأن لا يخرج منه شيء إلا بدلالة ويدل على أن الاستثناء في قوله (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) مقصور على ما يليه دون ما تقدمه أن قوله (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً) كل واحد منهما أمر وقوله (وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) خبر والاستثناء داخل عليه فوجب أن يكون موقوفا عليه دون رجوعه إلى الأمر وذلك لأن الواو في قوله (وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) للاستقبال إذ غير جائز أن يكون للجميع لأنه غير جائز أن ينتظم لفظ واحد ويدل عليه أنه لم يرجع إلى الحد إذا كان أمرا ونظيره قول القائل أعط زيدا درهما ولا تدخل الدار وفلان خارج إن شاء الله أن مفهوم هذا الكلام رجوع الاستثناء