وليس إلاّ الهثّ والهِتْر (١) ، وما شذّت الشيعة في المسألة عمّا أصفقت عليه الأُمّة الإسلاميّة سلفاً وخلفاً ؛ فقد بسط الخالدي فيها القول في كتابه صلح الإخوان (ص ١٠٢ ـ ١٠٩).
ومجمل ذلك التفصيل : أنَّ المسألة تدور مدار نيّات الناذرين ، وإنَّما الأعمال بالنيّات ، فإن كان قصد الناذر الميّت نفسه والتقرّب إليه بذلك لم يجز قولاً واحداً ، وإن كان قصده وجه الله تعالى وانتفاع الأحياء بوجه من الوجوه ، وثوابه لذلك المنذور له الميّت ، سواء عيّن وجهاً من وجوه الانتفاع أو أطلق القول فيه ، ويكون هناك ما يطّرد الصرف فيه في عرف الناس من مصالح القبر ، أو أهل بلده أو مجاوريه ، أو الفقراء عامّة ، أو أقرباء الميّت أو نحو ذلك ، ففي هذه الصورة يجب الوفاء بالمنذور. وحكى القول بذلك عن الأذرعي ، والزركشي ، وابن حجر الهيتمي المكّي ، والرملي الشافعي ، والقبّاني البصري ، والرافعي ، والنووي ، وعلاء الدين الحنفي ، وخير الدين الرملي الحنفي ، والشيخ محمد الغزّي ، والشيخ قاسم الحنفي.
وذكر الرافعي نقلاً عن صاحب التهذيب وغيره : أنَّه لو نذر أن يتصدّق بكذا على أهل بلد عيّنه يجب أن يتصدّق به عليهم. قال : ومن هذا القبيل ما ينذر بعثه إلى القبر المعروف بجرجان ، فإنّ ما يجتمع منه على ما يحكى يقسّم على جماعة معلومين ، وهذا محمول على أنَّ العرف اقتضى ذلك فنزل النذر عليه ، ولا شكّ أنّه إذا كان عرف حمل عليه. وإن لم يكن عرف فيظهر أن يجري فيه خلاف وجهين :
أحدهما : لا يصحُّ النذر ، لأنّه لم يشهد له الشرع بخلاف الكعبة والحجرة الشريفة.
والثاني : يصحُّ إذا كان مشهوراً بالخير ، وعلى هذا ينبغي أن يصرف في مصالحه الخاصّة به ولا يتعدّاها ، واستقرب السبكي بطلان النذر في صورة عدم العرف هناك للصرف. راجع فتاوى السبكي (١ / ٢٩٤).
__________________
(١) الهثّ : التخليط في الكلام. الهِتر : الكذب.