ولم يكن أبو بكر من أهل هذه الآية حتى يُفتح له بابٌ أو خوخةٌ ، فالفضل مخصوصٌ بمن طهَّره الكتاب الكريم.
ومنها : أنَّ مقتضى هذه الأحاديث أنَّه لم يبقَ بعد قصّة سدِّ الأبواب بابٌ يُفتح إلى المسجد سوى باب الرسول العظيم وابن عمِّه ، وحديث خوخة أبي بكر يصرِّح بأنَّه كانت هناك أبوابٌ شارعة ، وسيوافيك البعد الشاسع (١) بين القصّتين.
وما ذكروه من الجمع بحمل الباب في قصّة أمير المؤمنين عليهالسلام على الحقيقة وفي قصّة أبي بكر على التجوّز بإطلاقه على الخوخة ، وقولهم : كأنَّهم (٢) لمّا أُمروا بسدِّ الأبواب سدّوها ، وأحدثوا خوَخاً يستقربون الدخول إلى المسجد منها ، فأُمروا بعد ذلك بسدِّها ، تبرُّعيّ (٣) لا شاهد له ، بل يكذِّبه أنَّ ذلك ما كان يتسنّى لهم نصب عين النبيِّ ، وقد أمرهم بسدِّ الأبواب لئلاّ يدخلوا المسجد منها ، ولا يكون لهم ممرٌّ به ، فكيف يمكنهم إحداث ما هو بمنزلة الباب في الغاية المبغوضة للشارع؟ ولذلك لم يترك لعمّيه حمزة والعبّاس ممرّا يدخلان منه وحدهما ويخرجان منه ، ولم يترك لمن أراد كوّةً يشرف بها على المسجد ، فالحكم الواحد لا يختلف باختلاف أسماء الموضوع مع وحدة الغاية ، وإرادة الخوخة من الباب لا تبيح المحظور ولا تغيِّر الموضوع.
ومنها : ما مرّ (ص ٢٠٤) من قول عمر بن الخطّاب في أيّام خلافته : لقد أُعطي عليُّ بن أبي طالب ثلاث خصال لَأن تكون لي خصلةٌ منها أحبّ إليَّ من أن أُعطى حُمر النعم. الحديث.
ومثله قول عبد الله بن عمر في صحيحته التي أسلفناها بلفظه (ص ٢٠٣). فتراهما يعدّان هذه الفضائل الثلاث خاصّة لأمير المؤمنين لم يحظ بهنّ غيره ، لا سيّما
__________________
(١) يأتي أنّ الأوّل في أوّل الأمر ، والآخر في مرضه حين بقي من عمره ثلاثة أيّام أو أقل. (المؤلف)
(٢) تجد هذه العبارة في فتح الباري : ٧ / ١٢ [٧ / ١٥] ، عمدة القاري : ٧ / ٥٩٢ [١٦ / ١٧٦] ، نُزُل الأبرار : ص ٣٧ [ص ٧٤]. (المؤلف)
(٣) خبر لقوله السابق : وما ذكروه. والجمع التبرّعي هو الجمع الاستحساني الذي لا دليل عليه.