مجال التشريع في كتاب أسماه بلوغ المرام من أدلّة الأحكام (١) وهو كتاب صغير جدّاً.
إنّ افتقاد النص في مجال التشريع الذي واجه فقهاء أهل السنّة بعد رحلة الرسول ، هو الذي دعاهم إلى التفحّص عن حلول لهذه الأزمة حتّى تسد حاجاتهم الفقهية فعكفوا على المقاييس الظنية التي ما أنزل اللّه بها من سلطان كالقياس ، والاستقراء ، والاستحسان ، وسد الذرائع ، وسنّة الخلفاء ، أو سنّة الصحابة ، أو رأي أهل المدينة إلى غير ذلك من القواعد وأسّسوا عليها فقههم عبر قرون متمادية ، وقد جاء ذلك نواة لتأسيس علم اُصول الفقه بصورة مختصرة نمت ونضجت في الأجيال.
وأمّا الشيعة حيث إنّهم لم يفتقدوا سنّة الرسول بعد وفاته لوجود باب علم النبي ، علي عليهالسلام والأئمة المعصومين بين ظهرانيهم فلم تكن هناك أية حاجة للعمل بتلك المقاييس وبالتالي لم يكن هناك أي دافع للاتّجاه نحو اُصول الفقه.
نعم لمّا كان الإسلام ديناً عالمياً والنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم خاتم الأنبياء ، والاُصول والسنن مهما كثرت لا يمكن أن تلبّي بحرفيتها حاجات المسلمين إلى يوم القيامة ، انبرى أئمّة أهل البيت إلى املاء ضوابط وقواعد يرجع إليها الفقيه عند فقدان النص أو اجماله أو تعارضه إلى غير ذلك من الحالات التي يواجه بها الفقيه. وتلك الاُصول هي التي تشكّل أساساً لعلم اُصول الفقه ولقد جمعها عدّة من الأعلام في كتاب خاص أفضلها الفصول المهمّة في اُصول الأئمّة للشيخ المحدث الحر العاملي المتوفّي ١١٠٤.
فلو تأخّرت الشيعة في تدوين مسائل اُصول الفقه فانّما لأجل ذاك الغنى الذي
__________________
١ ـ بلوغ المرام من أدلة الأحكام ، طبع مصر تحقيق محمّد حامد الفقي.