ووجه آخر في كون التشبيه مكنونا في الضمير ، وهو أنه إذا لم يكن المشبّه مذكورا ، جاز أن يتوهّم السامع في ظاهر الحال أن المراد باسم المشبه به ما هو موضوع له ، فلا يعلم قصد التشبيه فيه إلا بعد شيء من التأمّل ، بخلاف الحالة الثانية ؛ فإنه يمتنع ذلك فيه مع كون المشبه مذكورا أو مقدّرا.
ومن الناس من ذهب إلى أن الاسم في الحالة الثانية استعارة ؛ لإجرائه على المشبه مع حذف كلمة التشبيه.
وهذا الخلاف لفظيّ راجع إلى الكشف عن معنى الاستعارة والتشبيه في الاصطلاح ، وما اخترناه هو الأقرب ؛ لما أوضحنا من المناسبة ، وهو اختيار المحقّقين كالقاضي أبي الحسن الجرجاني ، والشيخ عبد القاهر ، والشيخ جار الله العلّامة ، والشيخ صاحب المفتاح ، رحمهم الله.
غير أن الشيخ عبد القاهر قال بعد تقرير ما ذكرناه : فإن أبيت إلا أن تطلق اسم الاستعارة على هذا القسم ؛ فإن حسن دخول أدوات التشبيه لا يحسن إطلاقه وذلك كأن يكون اسم المشبه به معرفة ، كقولك زيد الأسد ، وهو شمس النهار ، فإنه يحسن أن يقال زيد كالأسد ، وخلته شمس النهار.
وإن حسن دخول بعضها دون بعض ؛ هان الخطب في إطلاقه وذلك كأن يكون نكرة غير موصوفة ، كقولك : زيد أسد ، فإنه لا يحسن أن يقال زيد كأسد ، ويحسن أن يقال : كأن زيدا أسد ، ووجدته أسدا.
وإن لم يحسن دخول شيء منها إلا بتغيير لصورة الكلام ، وكان إطلاقه أقرب ؛ لغموض تقديره أداة التشبيه فيه ، وذلك بأن يكون نكرة موصوفة بما لا يلائم المشبه به ، كقولك : فلان بدر يسكن الأرض ، وهو شمس لا تغيب ، وكقوله : [البحتري]
شمس تألّق والفراق غروبها |
|
عنّا ، وبدر والصّدود كسوفه (١) |
فإنه لا يحسن دخول الكاف ونحوه في شيء من هذه الأمثلة ونحوها ، إلا بتغيير صورته ، كقولك : هو كالبدر ، إلا أنه يسكن الأرض ، وكالشمس إلا أنه لا يغيب ؛ وكالشمس المتألّقة ، إلا أن الفراق غروبها ، وكالبدر إلا أن الصدود كسوفه.
وقد يكون في هذه الصفات والصّلات التي تجيء في هذا النحو ما يحيل تقدير أداة التشبيه فيه ؛ فيقرب إطلاقه أكثر ، وذلك مثل قول أبي الطيّب :
__________________
(١) البيت من الكامل ، وهو في ديوان البحتري ٣ / ١٤٢٣ ، وأسرار البلاغة ص ٣٧٣.