فإنه مستعمل في الأنف لا بقيد كونه لمرسون مع كونه موضوعا له بهذا القيد لا مطلقا ، وكالمشفر في نحو قولنا : «فلان غليظ المشافر» إذا قامت قرينة على أن المراد هو الشّفة لا غير.
وقال : سمّي هذا الضرب غير مفيد لقيامه مقام أحد المترادفين من نحو «ليث ، وأسد» ، و «حبس ، ومنع» عند المصير إلى المراد منه.
وأراد بالمفيد ما عدا الخالي عن الفائدة والاستعارة كما مر.
والشيخ عبد القاهر رحمه الله جعل الخالي عن الفائدة ما استعمل في شيء بقيد ، مع كونه موضوعا لذلك
الشيء بقيد آخر ، من غير قصد التشبيه ، ومثّله ببعض ما مثّله الشيخ صاحب المفتاح ونحوه ، مصرّحا بأن الشّفة والأنف موضوعان للعضوين المخصوصين من الإنسان ، فإن قصد التشبيه صار اللفظ استعارة ، كقولهم في مواضع الذّم : «غليظ المشفر» فإنه بمنزلة أن يقال : كأن شفته في الغلظ مشفر البعير ، وعليه قول الفرزدق :
فلو كنت ضبّيّا عرفت قرابتي |
|
ولكنّ زنجيّا غليظ المشافر (١) |
أي : ولكنّك زنجيّ كأنه جمل لا يهتدي لشرفي. وكذا قول الحطيئة يخاطب الزّبرقان :
قروا جارك العيمان لمّا جفوته |
|
وقلّص عن برد الشراب مشافره (٢) |
فإنه وإن عنى نفسه بالجار ، جاز أن يقصد إلى وصف نفسه بنوع من سوء الحال ؛ ليزيد في التهكّم بالزّبرقان ، ويؤكد ما قصده من رميه بإضاعة الضّيف وإسلامه للضّرّ والبؤس.
__________________
وكتاب العين ٦ / ٥٣ ، وبلا نسبة في تهذيب اللغة ١٠ / ٥٨٢ ، ومقاييس اللغة ٣ / ١٥٦ ، والمخصص ١ / ٩٢ ، ٢ / ١٥٥.
(١) البيت من الطويل ، وهو للفرزدق في ديوانه ص ٤٨١ ، وجمهرة اللغة ص ١٣١٢ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٤٤٤ ، والدرر ٢ / ١٧٦ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٠١ ، وشرح المفصل ٨ / ٨١ ، ٨٢ ، والكتاب ٢ / ١٣٦ ، ولسان العرب (شفر) ، والمحتسب ٢ / ١٨٢ ، وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ١٨٢ ، والجني الداني ص ٥٩٠ ، وخزانة الأدب ١١ / ٢٣٠ ، والدرر ٣ / ١٦٠ ، ورصف المباني ص ٢٧٩ ، ٢٨٩ ، ومجالس ثعلب ١ / ١٢٧ ، ومغني اللبيب ص ٢٩١ ، والمنصف ٣ / ١٢٩ ، وهمع الهوامع ١ / ٣٦ ، ٢٢٣.
(٢) البيت من الطويل ، وهو للحطيئة في ديوانه ص ٢٥ ، وجمهرة اللغة ص ١٣١٢ ، وبلا نسبة في المخصص ٤ / ١٣٦ ، ١٢ / ١٨١.