القول في الإيجاز والإطناب والمساواة
قال السكاكي : أما الإيجاز والإطناب ، فلكونها نسبيّين ، لا يتيسّر الكلام فيهما إلّا بترك التحقيق ، والبناء على شيء عرفيّ ، مثل جعل كلام الأوساط على مجرى متعارفهم في التأدية للمعاني فيما بينهم ـ ولا بد من الاعتراف بذلك ـ مقيسا عليه ، ولنسمّه متعارف الأوساط وأنه في باب البلاغة لا يحمد منهم ولا يذمّ.
فالإيجاز هو أداء المقصود من الكلام بأقلّ من عبارات متعارف الأوساط ، والإطناب هو أداؤه بأكثر من عبارته ، سواء كانت القلّة أو الكثرة راجعة إلى الجمل ، أو إلى غير الجمل.
ثم قال : الاختصار لكونه من الأمور النسبيّة ، يرجع في بيان دعواه إلى ما سبق تارة ، وإلى كون المقام خليقا بأبسط مما ذكر أخرى.
وفيه نظر ؛ لأن كون الشيء نسبيّا لا يقتضي أن لا يتيسّر الكلام فيه إلا بترك التحقيق ، والبناء على شيء عرفيّ.
ثم البناء على متعارف الأوساط. والبسط الذي يكون المقصود جديرا به ، ردّ إلى جهالة ؛ فكيف يصلح للتعريف؟
والأقرب أن يقال :
المقبول من طرق التعبير عن المعنى : هو تأدية أصل المراد بلفظ مساو له ، أو ناقص عنه واف ، أو زائد عليه لفائدة.
والمراد بالمساواة : أن يكون اللفظ بمقدار أصل المراد ؛ لا ناقصا عنه بحذف أو غيره ، كما سيأتي ، ولا زائدا عليه بنحو تكرير ، أو تتميم ، أو اعتراض ، كما سيأتي.
وقولنا : «واف» احتراز عن الإخلال ، وهو أن يكون اللفظ قاصرا عن أداء المعنى ، كقول عروة بن الورد :
عجبت لهم إذ يقتلون نفوسهم |
|
ومقتلهم عند الوغى كان أعذرا (١) |
فإنه أراد : إذ يقتلون نفوسهم في السّلم ، وقول الحارث بن حلّزة :
والعيش خير في ظلا |
|
ل النّوك ممّن عاش كدّا (٢) |
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لعروة بن الورد في ديوانه ص ٨٨.
(٢) البيت من مجزوء الكامل ، وهو للحارث بن حلزة في ديوانه ص ٤٧ ، وجمهرة اللغة ص ١٠٠٠ ، ـ ـ