وأما (أنّي) فتستعمل تارة بمعنى : كيف ، قال تعالى : (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)(١) أي : كيف شئتم. وأخرى بمعنى (من أين) قال تعالى : (أَنَّى لَكِ هذا)(٢) أي من أين؟
وأما (متى) و (أيّان) فهما للسؤال عن الزمان ، إذا قيل : متى جئت؟ وأيّان جئت؟ قيل : يوم الجمعة ، أو يوم الخميس ، أو شهر كذا ، أو سنة كذا ، وعن علي بن عيسى الربعي (٣) ، رحمة الله عليه ، إمام أئمة بغداد في علم النحو : أن (أيّان) تستعمل في مواضع التفخيم كقوله عز قائلا : (يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ)(٤)(يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ)(٥).
واعلم أن هذه الكلمات كثيرا ما يتولد منها أمثال ما سبق من المعاني بمعونة قرائن الأحوال فيقال : ما هذا؟ ومن هذا؟ لمجرد الاستخفاف والتحقير ، وما لي؟ للتعجب قال تعالى ، حكاية عن سليمان : (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ)(٦) وأي رجل؟ هو للتعجب وأيما رجل؟ وكم دعوتك؟ للاستبطاء ، وكم تدعوني؟ للإنكار ، وكم أحلم؟ للتهديد ، وكيف تؤذي أباك؟ للإنكار ، والتعجب والتوبيخ ، وعليه قوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ)(٧) بمعنى التعجب ، ووجه تحقيق ذلك هو : أن الكفار في
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ٢٢٣.
(٢) سورة آل عمران ، الآية ٣٧.
(٣) علي بن عيسى الربعي النحوي ، صاحب أبي علي الفارسي ، درس الأدب على أبي سعيد السيرافي ، ودرس النحو على أبي علي الفارسي مدة عشرين سنة ، فقال عنه : ما بقي له شيء يحتاج أن يسأل عنه ، ولد سنة ٣٢٨ ه ، ومات سنة ٤٢٠ ه. (تاريخ بغداد ١٢ / ١٧ ـ ١٨).
(٤) سورة القيامة الآية ٦.
(٥) سورة الذاريات ، الآية ١٢.
(٦) سورة النمل ، الآية : ٢٠.
(٧) سورة البقرة الآية : ٢٨ ، ٢٩.