أخذوه من العلماء المشارقة.
وبسبب الإقبال
على القراءات ، كان العلماء الأندلسيّون أكثر إقبالا على نحو الكوفة من نحو
البصرة. وكان جوديّ بن عثمان المورويّ الذي رحل إلى المشرق ، وتتلمذ للكسائيّ
والفرّاء ، أوّل نحاة الأندلس بالمعنى الدقيق لكلمة نحويّ ، وأوّل من أدخل إلى
بلاده كتب الكوفيّين.
وإن كانت
الأندلس قد صبّت عنايتها أوّلا على النحو الكوفيّ ، فإنّها ما لبثت أن أقبلت على
النحو البصريّ ، فاحتلّ «كتاب» سيبويه عندهم مكان الصدارة من حيث الدرس والحفظ
والشرح والتعليق.
وقد نهج العلماء
الأندلسيّون نهج البغداديّين في مبدأ الاختيار من آراء نحاة الكوفة والبصرة ،
لكنّهم أضافوا إلى ذلك اختيارات من آراء البغداديّين ، وبخاصّة اختيارات أبي عليّ
الفارسيّ وابن جنّي. ولم يكتفوا بذلك ، بل ساروا في اتجاههم من حيث كثرة التعليلات
والآراء الجديدة ـ ما عدا ابن مضاء القرطبيّ ـ كما أضافوا ما توصّلوا إليه هم
أنفسهم.
ومن أهمّ
النحاة الأندلسيّين محمّد بن يحيى الرباحي ، وأبو بكر محمّد الزبيديّ صاحب كتاب «طبقات
السيّد البطليوسي» ، وابن الطّراوة ، وابن مضاء القرطبيّ ، وابن خروف ، وابن هشام
الخضراوي ، وابن عصفور ، وابن مالك صاحب الألفيّة المشهورة التي ظلت مسيطرة على
مناهج التدريس النحويّ حتّى وقتنا الحاضر.
المدرسة البصريّة :
الحديث عن
مدرسة البصرة هو الحديث عن النحو العربيّ منذ نشأته حتى عصرنا الحاضر ، فممّا لا
شك فيه أن النحو العربيّ نشأ بصريّا وتطوّر بصريّا ، إذ عند ما كانت البصرة تشيد
صرح النحو ، كانت الكوفة مشغولة عن ذلك كله ، وحتّى منتصف القرن الثاني للهجرة ،
بقراءات الذكر الحكيم ، ورواية الشعر والأخبار.
وقد سعت هذه
المدرسة إلى أن تكون القواعد مطّردة اطّرادا واسعا ، ومن ثم كانت تميل إلى طرح
الروايات الشاذّة دون أن تتّخذها أساسا لوضع قانون نحويّ ، رافضة الاستشهاد
بالحديث النبويّ الشريف لما ادّعي من جواز روايته ، متشدّدة أشدّ التشدّد في رواية
الأشعار ، وعبارات اللغة. وتفصيل ذلك أن البصريّين تحرّوا ما نقلوا عن العرب ، ثم
استقرؤوا أحواله ، فوضعوا قواعدهم على الأعم الأغلب من هذه الأحوال ، فإن وجدوا
نصوصا قليلة لا تشملها قواعدهم ، اتبعوا إحدى طريقتين : إمّا أن يتأوّلوها حتّى