الالفاظ العربية ممتد طويل ، ولأنّ الكثير من النصوص ضاع في غمرة الأحداث.
ولعل البلاغة أسهل موردا وأقرب منالا لتأخر ظهورها في كتب ترصد أصولها ، فكان لها أن يقصد الى وضع كتاب يؤرخ لمصطلحاتها الكبرى : الفصاحة ، والبلاغة ، والمعاني ، والبيان ، والبديع. وصدر ذلك الكتاب عام ١٩٧٢ للميلاد ليكون تجربة تأخذ أبعادها من دعوة المعجم التأريخي وتقتبس ملامحها من التراث الأصيل. وقام منهج ذلك الكتاب وهو «مصطلحات بلاغية» على رصد كل مصطلح في مظانّه واستقاء الرأي من منابعه ، والربط بين الآراء ربطا يظهر تطورها التأريخي ويحدد معنى المصطلح الذي استقرّ عليه المتأخرون.
ومرّت الأعوام وصورة ذلك الكتاب تتسع ، ولم يظهر في الأفق ما يسدّد الخطى ويعبّد الطريق ، فكان «معجم المصطلحات البلاغية وتطورها» هدية تقدّم على استحياء ؛ لأنها قد تكون فجّة ، أو أنّها لا تحقق الهدف الذي من أجله يبذل الدارسون جهودهم في هذه السبيل.
إنّ وضع المعجم البلاغي لم يكن هينا فهناك مئات المصادر التي تحمل بين سطورها بذورا أو ثمارا ، وكان على الباحث أن يقف عليها ويعيد النظر فيها ليأخذ منها ما ينفع ويضمه الى ما اقتبسه من كتب البلاغة والنقد ، حتى إذا ما استوت المادة على سوقها بدأ التصنيف ، وبدأت حروف الهجاء تأخذ سبيلها في الترتيب من غير التفات الى أصل مادة المصطلح او ارتباط بالمعجم القديم لأنّ في ذلك شيئا من العسر لا يخدم الهدف ولا يحقق الغاية عند المراجعة السريعة ، ولذلك وضع «الاستفهام» قبل «الإسجال» و «الارتقاء» قبل «الإرداف» و «الاعتراض» قبل «الإعجاز». فالأساس هو ترتيب الحروف في المصطلح كما يفعل المعاصرون حينما ينسقون الالفاظ والمصطلحات.
وبعد أن تمّ هذا التصنيف كانت العودة الى المعجمات للوقوف على معنى المصطلح في اللغة ليبدأ بعد ذلك ذكر أسماء المصطلح المختلفة إن كانت له عدة تسميات ، ثم تعريف البلاغيين والنقاد وغيرهم للفن البلاغي ، وهو تعريف أخذ من التطور التأريخي نسقه ، وقد يكون ذلك التأريخ بعيدا يمتد الى آخر ما وقفت عنده البلاغة في القرن الثاني عشر للهجرة على يد ابن معصوم المدني (ـ ١١١٧ ه) صاحب «أنوار الربيع في أنواع البديع». وتأتي أقسام الفن بعد ذلك موضّحة بالأمثلة المقتبسة من الكتاب العزيز وكلام العرب البليغ.
تلك خطة المعجم ، بدأت من الهمزة وانتهت بالواو ، ولم يكن العمل سهلا لأنّ تأريخ البلاغة عريق ، ولأنّ القدماء لم يضعوا معالم لمثل هذا العمل. وقد يجد الباحث عنتا وضيقا حينما يجد للنوع الواحد من فنون البلاغة اسمين أو أكثر ، فالغانمي ـ مثلا ـ سمّى بابا من أبواب البلاغة