الرماح بن ميادة :
ألم تك في يمنى يديك جعلتني |
فلا تجعلنّي بعدها في شمالكا |
|
ولو أنّني أذنبت ما كنت هالكا |
على خصلة من صالحات خصالكا |
وسمّاها أبو أحمد العسكري «المماثلة» ، قال عبد القاهر وهو يتحدّث عن قولهم : «إنّك تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى» : «وذكر أبو أحمد العسكري أنّ هذا النحو من الكلام يسمّى المماثلة ، وهذه التسمية توهم أنّه شيء غير المراد بالمثل والتمثيل وليس الأمر كذلك» (١).
وأخذ أبو هلال العسكري من خاله هذه التسمية وقال : «المماثلة أن يريد المتكلّم العبارة عن معنى فيأتي بلفظة تكون موضوعة لمعنى آخر إلا أنّه ينبىء إذا أورده عن المعنى المراد» (٢) ، وذكر بيتي ابن ميادة : «ألم تك ...» ، وقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «إياكم وخضراء الدمن» وقولهم : «فلان نقيّ الثوب» ويتضح أنّ المماثلة عنده المثل أو ما يقرب من الكناية ، وقد قال الباقلاني إنّها «ضرب من الاستعارة سمّاه قدامة التمثيل وهو على العكس من الإرداف مبني على الاسهاب والبسط وهو مبني على الايجاز والجمع ، وذلك أن يقصد الإشارة الى معنى فيضع ألفاظا تدل عليه ، وذلك المعنى بألفاظه مثال للمعنى الذي قصد الإشارة اليه» (٣) ، ومثل له بقولهم : «أراك تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى» وقوله تعالى : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ)(٤) ، وقول الحارثي :
بني عمّنا لا تذكروا الشعر بعد ما |
دفنتم بصحراء الغمير القوافيا |
والآية الكريمة والبيت من شواهد الكناية لا الاستعارة.
وتابع التبريزي الباقلّاني وقال : «المماثلة ضرب من الاستعارة» (٥) ونقل البغدادي تعريفه (٦).
وأدخلها ابن رشيق في التجنيس وقال : «التّجنيس ضروب كثيرة منها المماثلة وهي أن تكون اللفظة واحدة باختلاف المعنى» (٧). وهذا ما ذكره الآمدي وابن سنان (٨). وفسّرها المصري تفسيرا آخر فقال : «هو أن تتماثل ألفاظ الكلام أو بعضها في الزنة دون التقفية» (٩) كقوله تعالى : (وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ. النَّجْمُ الثَّاقِبُ. إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ)(١٠). فالطارق والثاقب وحافظ متماثلات في الزنة دون التقفية.
وقد تأتي بعض ألفاظ المماثلة مقفاة من غير تصد ؛ لأنّ التقفية في هذا الباب غير لازمة كقول امرىء القيس :
فتور القيام قطوع الكلام |
تفترّ عن ذي غروب خصر |
|
كأنّ المدام وصوب الغمام |
وريح الخزامى ونشر القطر |
|
يعلّ بها برد أنيابها |
إذا غرّد الطائر المستحر (١١) |
وتابعه ابن مالك فقال : «المماثلة أن يتعدّد أو يوجد في البيت أو نحوه مماثلة في الوزن والتقفية أو في الوزن فقط بين كلمتين متلاقيتين أو متوازيتين» (١٢) ، ومثل له بقوله تعالى : (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ
__________________
(١) أسرار البلاغة ص ١٠٠.
(٢) كتاب الصناعتين ص ٣٥٣.
(٣) اعجاز القرآن ص ١١٩.
(٤) المدثر ٤.
(٥) الوافي ص ٢٧٤.
(٦) قانون البلاغة ص ٤٤٥.
(٧) العمدة ج ١ ص ٣٢١.
(٨) الموازنة ج ١ ص ٢٧٥ ، سر الفصاحة ص ٢٢٨.
(٩) تحرير التحبير ص ٢٩٧ ، بديع القرآن ص ١٠٧.
(١٠) الطارق ٢ ـ ٤.
(١١) تفتر : تبتسم. الغروب : حدة الاسنان. خصر :بارد. القطر : العود الذي يتبخر به. المستحر :المصوت بالسحر.
(١٢) المصباح ٨٠.