عبد القاهر على هذا النوع ولم يسمّه مرسلا وإنّما هو مجاز لغوي يقرن بالاستعارة وإن كانت علاقته غير المشابهة. وفي قوله : «وأما لصلة وملابسة بين ما نقلها اليه وما نقلها عنه» (١) تمييز للمجاز المرسل عن الاستعارة. وكان السّكّاكي ـ فيما نعلم ـ أول من أطلق التسمية وتابعه بدر الدين بن مالك والقزويني وشرّاح التلخيص (٢) ، وتوسّع ابن قيّم الجوزيّة والعلوي والزركشي في بحث هذا النوع وجمعوا له علاقات كثيرة (٣) ومن أشهرها : الجزئية وهي تسمية الشيء باسم جزئه كالعين في الرقيب وكقوله تعالى : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً)(٤) أي : صلّ. وقوله : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ)(٥) أي : تحرير عبد مؤمن. ومنه قول الشاعر :
وكم علّمته نظم القوافي |
فلمّا قال قافية هجاني |
أي : الشعر.
والكلّيّة فيما ذكر الكل وأريد الجزء كقوله تعالى : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ)(٦) أي : أناملهم ، وقوله : (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ)(٧) أي : لم يذقه.
والسببية بأن يطلق لفظ السبب ويراد المسبب كقوله تعالى : (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)(٨) أي : قدرته فإنّ اليد سببها. وكقول الشاعر :
له أياد عليّ سابغة |
أعدّ منها ولا أعدّدها |
أي : نعم ؛ لأنّ الايادي سبب فيها.
والمسببيّة فيما إذا ذكر لفظ المسبّب وأريد السبب كقوله تعالى : (وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً)(٩) أي :مطرا هو سبب الرزق.
والسبق وهي اعتبار ما كان أي تسمية الشيء باسم ما كان عليه كقوله تعالى : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ)(١٠) أي : الذين كانوا يتامى.
والاستعداد وهي اعتبار ما يكون أي اطلاق اسم الشيء على ما يؤول اليه كقوله تعالى : (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً)(١١) ، وقوله : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)(١٢).
والمحلية فيما إذا ذكر لفظ المحل وأريد به الحالّ فيه كقوله تعالى : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ)(١٣) أي : المجتمعين في النادي. وقوله : (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ)(١٤) أي : بألسنتهم لأنّ القول عادة لا يكون إلا بها.
والحاليّة وهي عكس السابقة فيما إذا ذكر لفظ الحالّ وأريد به المحل كقوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)(١٥) أي : في جنته التي تحلّ فيها الرحمة.
وقوله : (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)(١٦) أي : لباسكم لحلول الزينة فيه. والآلية فيما اذا ذكر اسم الآلة وأريد الاثر الذي ينتج عنه كقوله تعالى :
__________________
(١) أسرار البلاغة ص ٣٧٦.
(٢) المصباح ص ٥٩ ، الايضاح ص ٢٧٠ ، التلخيص ص ٢٩٥ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٢٩ ، المطول ص ٣٥٤ ، الاطول ج ٢ ص ١١٨.
(٣) الفوائد ص ١٠ وما بعدها ، الطراز ج ١ ص ٦٩ ، البرهان في علوم القرآن ج ٢ ص ٢٥٨ ـ ٢٩٩ ، وينظر المنزع البديع ص ٢٩٧ ـ ٣٠٨.
(٤) المزمل ٢.
(٥) النساء ٩٢.
(٦) البقرة ١٩.
(٧) البقرة ٢٤٩.
(٨) الفتح ١٠.
(٩) غافر ١٣.
(١٠) النساء ٢.
(١١) يوسف ٣٦.
(١٢) الزمر ٣٠.
(١٣) العلق ١٧.
(١٤) آل عمران ١٦٧.
(١٥) آل عمران ١٠٧.
(١٦) الاعراف ٣١.