والتصريح ، ويعيبون الرجل إذا كان يكاشف في كل شيء ويقولون : «لا يحسن التعريض إلا ثلبا». وقد جعله الله في خطبة النساء في عدّتهن جائزا فقال : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ)(١) ولم يجز التصريح.
والتعريض في الخطبة أن يقول الرجل للمرأة : والله إنّك لجميلة ، ولعلّ الله أن يرزقك بعلا صالحا ، وإنّ النساء لمن حاجتي ، وهذا وأشباهه من الكلام» (٢).
وعدّ ثعلب من لطافة المعنى الدلالة بالتعريض على التصريح وقال : «ومن لطف المعنى كل ما يدلّ على
الايحاء الذي يقوم مقام التصريح لمن يحسن فهمه واستنباطه» (٣). وعدّ ابن المعتز من محاسن الكلام «التعريض والكناية» (٤) ولم يعرّفهما أو يفصل بينهما.
وسمّاه ابن وهب «اللحن» وقال : «وأما اللحن فهو التعريض بالشيء من غير تصريح أو الكناية عنه بغيره» (٥). وذكره ابن جني ولم يعرّفه (٦) ، وأدخله ابن رشيق في باب الاشارة وذكر بيت كعب بن زهير الذي عرّض فيه بالانصار وبعض الأمثلة الاخرى (٧) :وتحدث عنه عبد القاهر مع الكناية (٨) ، وفعل مثله التبريزي والبغدادي (٩).
وكان ابن الاثير ممن ميزوا بين الكناية والتعريض وقال : «وأمّا التعريض فهو اللفظ الدّالّ على الشيء من طريق المفهوم لا بالوضع الحقيقي ولا المجازي فاذا قلت لمن تتوقع صلته ومعروفه بغير طلب : «والله إني لمحتاج وليس في يدي شيء وأنا عريان والبرد قد آذاني» فإنّ هذا وأشباهه تعريض بالطلب وليس هذا اللفظ موضوعا في مقابلة الطلب لا حقيقة ولا مجازا ، إنما دلّ عليه من طريق المفهوم» (١٠). وفعل مثله التنوخي وقال : «ومن البيان الكناية والتعريض وهما معنيان متقاربان جدا وربما التبس على كثير من الفضلاء أمرهما فمثل أحدهما بما يستحق أن يكون مثالا للآخر وربما كان ذلك لكون اللفظ صالحا للكناية من وجه والتعريض من وجه. والفرق بينهما أنّ الكناية وضع لفظ يراد به معنى يعرف من لفظ آخر هو أحق به لكن يعدل عنه لقبحه في العادة أو لعظمه أو لستره أو لما ناسب ذلك من الأغراض.
والتعريض أن يذكر شيء يفهم منه غير ما وضع له لمناسبة ما بين المعنيين» (١١).
ومن التعريض قول الشّمندر الحارثي :
بنى عمّنا لا تذكروا الشعر بعد ما |
دفنتم بصحراء الغمير القوافيا |
فقوله : «دفنتم القوافيا» يعني أنّ ما جرى لكم في ذلك اليوم من قهرنا لكم لا يصلح بعده ذكر الشعر ، فلم يذكر القهر والغلبة ، وعرّض عنه بدفن القوافي.
وقال ابن الأثير الحلبي إنّ الالغاز والتعمية اذا قاربت الظهور سمّيت كناية أو تعريضا ، وأما إذا أوغل في خفائه سمي لغزا أو رمزا ، وذكر تعريف ابن الاثير وقال : «وقالوا إنّ هذا الحدّ فاسد لأنّه ليس لنا قسم ثالث في استعمال اللفظ ليدلّ على المعنى خارجا عن الحقيقة والمجاز» (١٢). وفرّق العلوي كابن الاثير بين الفنين (١٣) ، وعرّف الحلبي والنويري التعريض بعد تعريف الكناية وقالا : «وأما التعريض فهو تضمين الكلام دلالة ليس لها ذكر
__________________
(١) البقرة ٢٣٥.
(٢) تأويل مشكل القرآن ص ٢٠٤.
(٣) قواعد الشعر ص ٤٤.
(٤) البديع ص ٦٤.
(٥) البرهان في وجوه البيان ص ١٣٤.
(٦) الخصائص ج ١ ص ٢٢٠.
(٧) العمدة ج ١ ص ٣٠٣.
(٨) دلائل الإعجاز ص ٢٣٦.
(٩) الوافي ص ٢٧٧ ، قانون البلاغة ص ٤٤٧.
(١٠) المثل السائر ج ٢ ص ١٩٨ ، الجامع الكبير ص ١٥٧.
(١١) الأقصى القريب ص ٧٢.
(١٢) جوهر الكنز ص ١١٠ ، وتنظر ص ١٠٦.
(١٣) الطراز ج ١ ص ٣٨٠.