البديع :
بدع الشيء يبدعه بدعا وابتدعه : أنشأه وبدأه ، وابدعت الشيء : اخترعته لا على مثال. والبديع : المبدع ، والبديع من أسماء الله تعالى لا بداعه الاشياء وإحداثه اياها وهو البديع الأول قبل كل شيء. والبديع : الجديد (١).
وقد ذكر الجاحظ أنّ مصطلح البديع اطلقه الرواة على المستطرف الجديد من الفنون الشعرية وعلى بعض الصور البيانية التي يأتي بها الشعراء في أشعارهم فتزيدها حسنا وجمالا. قال معلقا على بيت الأشهب بن رميلة :
هم ساعد الدهر الذي يتّقى به |
وما خير كف لا تنوء بساعد |
«قوله : «هم ساعد الدهر» إنّما هو مثل ، وهذا الذي تسميه الرواة البديع» (٢).
لكن أبا الفرج الاصفهاني ذكر أنّ الشاعر العباسي مسلم بن الوليد كان أول من أطلق هذا المصطلح ، قال : «وهو فيما زعموا أول من قال الشعر المعروف بالبديع ، وهو لقّب هذا الجنس البديع واللطيف وتبعه فيه جماعة ، وأشهرهم فيه أبو تمام الطائي فانه جعل شعره كله مذهبا واحدا فيه» (٣).
ودفع الجاحظ غلوه في حب العرب والرد على الشعوبية إلى أن يقول : «والبديع مقصور على العرب ومن أجله فاقت لغتهم كل لغة ورأبت على كل لسان» (٤).
وكان المولّدون من الشعراء العصر العباسي قد أكثروا في أشعارهم من الصور البيانية التي سميت البديع ، قال الجاحظ : «ومن الخطباء الشعراء ممن كان يجمع الخطابة والشعر الجيد والرسائل الفاخرة مع البيان الحسن : كلثوم بن عمرو العتابي وكنيته أبو عمرو ، وعلى ألفاظه وحذوه ومثاله في البديع يقول جميع من يتكلف مثل ذلك من شعراء المولدين كنحو منصور النمري ومسلم بن الوليد الانصاري وأشباههما. وكان العتابي يحتذي حذو بشار في البديع ، ولم يكن من المولّدين أصوب بديعا من بشار وابن هرمة» (٥).
وقال «والراعي كثير البديع في شعره ، وبشار حسن البديع ، والعتابي يذهب شعره في البديع» (٦).
وشاع هذا اللون في الأدب ولجّ المولّدون. في اصطناعه وتباهوا بالسبق اليه مما حدا بالخليفة والشاعر العباسي ابن المعتز الى أن يؤلف «كتاب البديع» ليعلم أنّ بشارا ومسلما وأبا نواس ومن تقيلهم (٧) وسلك سبيلهم لم يسبقوا الى هذا الفن ، ولكن كثر في أشعارهم فعرف في زمانهم حتى سمي بهذا الاسم فأعرب عنه ودلّ عليه ، وليعرف أنّ المحدثين لم يسبقوا المتقدمين الى شيء من أبواب البديع. قال : «ثم إنّ حبيب بن أوس الطائي من بعدهم شغف به حتى غلب عليه وتفرع فيه وأكثر منه فأحسن في بعض ذلك وأساء في بعض وتلك عقبى الافراط وثمرة الاسراف ، وإنّما كان يقول الشاعر من هذا الفن البيت والبيتين في القصيدة وربما قرئت من شعر أحدهم قصائد من غير أن يوجد فيها بيت بديع ، وكان يستحسن ذلك منهم إذا أتى ناردا ويزداد حظوة بين الكلام المرسل» (٨).
وكان الجاحظ من أوائل الذين اعتنوا بالبديع وصوره ، وقد أطلقه على فنون البلاغة المختلفة ، وتعليقه على بيت الأشهب بن رميلة يوضح اتجاهه حيث سمّى الاستعارة بديعا. ونظر ابن المعتز الى البديع هذه النظرة ، وكانت فنونه عنده خمسة هي :
__________________
(١) اللسان (بدع).
(٢) البيان ج ٤ ص ٥٥.
(٣) الأغاني ج ١٩ ص ٣١.
(٤) البيان ج ١ ص ٥١.
(٥) البيان ج ١ ص ٥١.
(٦) البيان ج ٤ ص ٥٦.
(٧) تقيلهم ؛ حاكاهم.
(٨) البديع ص ١.