حقيقة الراوي ، والأخذ بالظنة والتهمة في ردّ مروياته ، يكاد يجزم بأن تجويز الكذب على الراوي المستجمع للشروط أمر لا يصدّقه عقل ، ولا يتفق عليه اثنان.
ونحن لا نعذر القدامى في عدم احتجاجهم بالحديث ، ولكن عدم ممارستهم لهذا الفن الجليل صرفهم عن الاحتجاج به ؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
الاتجاه الثالث : التوسط بين المنع والجواز
ومن أبرز من نهج هذا النهج «أبو إسحاق الشاطبي» ـ ٧٩٠ ه فقد قسّم الحديث إلى قسمين :
القسم الأول : ما يعتنى ناقله بمعناه دون لفظه ، وهذا لم يقع به استشهاد أهل اللسان.
القسم الثاني : عرف اعتناء ناقله بلفظه ، لمقصود خاص ، كالأحاديث التي قصد بها فصاحته ـ صلىاللهعليهوسلم ـ والأمثال النبوية. وهذا يصح الاستشهاد به في النحو.
ثم أضاف «محمد الخضر حسين» ـ ١٣٧٧ ه قسما ثالثا ، هو في الواقع تفصيل لما أجمل «الشاطبيّ» ، وقد عالج هذا الموضوع في «مجلة مجمع اللغة العربية» على خير ما يعالجه عالم ثبت ، (١) وانتهى من بحثه إلى النتيجة الآتية :
من الأحاديث ما لا ينبغي الاختلاف بالاحتجاج به في اللغة و (القواعد) وهي ستة أنواع :
أولها : ما يروى بقصد الاستدلال على كمال فصاحته ، ومحاسن بيانه.
ثانيها : ما يروى من الأقوال التي يتعبّد بها.
__________________
(١) يقال : رجل ثبت ـ بسكون الباء ـ متثبّت في أموره. ورجل ثبت ـ بفتحتين ـ إذا كان عدلا ضابطا ، والجمع : أثبات ، مثل سبب وأسباب. مصباح (ثبت).