أما الصحابة والتابعون فقد كانت لغتهم العربية وصفا غريزيا فيهم ، لأنهم من العرب الخلص ، لذا لم يكونوا في حاجة لقواعد يضبطون بها كلامهم. أما من جاء بعدهم فلا بدّ لهم من قواعد تضبط لهم طريق استعمال العرب في لسانها ، ومعرفة أسلوب العرب في كلامها.
ولقد تناولت في كتابي «الحديث النبوي في النحو العربي» ظاهرة «الاحتجاج بالحديث النبوي ، والاستشهاد به» ؛ لأنّ علم الحديث الشريف ، رفيع القدر ، عظيم الفخر ، شريف الذكر ، لا يعتني به إلّا كلّ حبر ، ولا يحرمه إلّا كلّ غمر (١) ، ولا تفنى محاسنه على ممر الدهر (٢).
فالحديث النبوي كما أنه المصدر الثاني للتشريع واللغة بلا منازع. فكذلك هو المصدر النّحويّ في قولين من ثلاثة.
وسيبقى الحديث إلى جانب القرآن في الاستدلال والاحتجاج ، حتى يرث الله الأرض ومن عليها ، فالتمسك بهما سر نجاح الأمة الإسلامية وتقدمها ، مصداقا لقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : (تركت فيكم شيئين لن تضلّوا بعدهما : كتاب الله ، وسنّتي) (٣).
وقد قسّمت الخلاف في الاحتجاج بالحديث النبوي ، إلى ثلاثة اتجاهات :
الاتجاه الأول : صحة الاحتجاج بالحديث النبوي في النحو العربي.
ذهب إلى ذلك طائفة من النحاة ، منهم : «ابن خروف» ـ ٦٠٩ ه و «ابن مالك» ـ ٦٧٢ ه ، و «ابن هشام» ـ ٧٦١ ه.
وهذا الاتّجاه عليه المعوّل ، وإليه المصير.
__________________
(١) الغمر ـ بضم الغين ـ : غير المجرب.
(٢) انظر مقدمة «تدريب الراوي».
(٣) رمز «السيوطي» في «الجامع الصغير» بأنه أخرجه «الحاكم» في «المستدرك» عن أبي هريرة ا ه.
قاله النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في حجة الوداع. وانظر «فيض القدير» ٣ : ٢٤١.