وبجره ، هذا من حيث المتن ، وأما من حيث السند فقد عرف المجيزون والمانعون أن ما في روايات الحديث من ضبط ، ودقة ، وتحرّ ، لا يتحلى ببعضه كل ما يحتج به النحاة واللغويون من كلام العرب ، حتى قال «الأعمش» : «كان هذا العلم عند أقوام كان أحدهم لأن يخر من السماء أحب إليه من أن يزيد فيه واوا أو ألفا أو دالا» (١).
وأما المانع الثاني ، وهو وقوع لحن في بعض الأحاديث المروية ، فهو شيء ـ إن وقع ـ قليل جدا ، لا يبنى عليه حكم ، وقد تنبه إليه الناس وتحاموه ، ولم يحتج به أحد ، ولا يصح أن يمنع من أجله الاحتجاج بهذا الفيض الزاخر من الحديث الصحيح إلا إن جاز إسقاط الاحتجاج بالقرآن الكريم ؛ لأن بعض الناس يلحن فيه. وأنت تعرف إلى هذا أنهم قد تشددوا في أخذ الناس بضبط ألفاظ الحديث ، حتى إذا لحن فيه شاد (٢) أو عاميّ ، أقاموا عليه النكير ، بل إن بعضهم ليدخله النار بسببه ، وكان هذا التشديد تقليدا متوارثا في حملة الحديث حتى يومنا هذا.
قال «جمال الدين القاسمي» ـ ١٣٣٢ ه : «من قرأ حديث رسول الله ، وهو يعلم أنه يلحن فيه ، سواء أكان في أدائه أم في إعرابه ، يدخل في هذا الوعيد الشديد ، (يعني قوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) ؛ لأنه بلحنه كاذب عليه» (٣) حتى الذين يروونه بالمعنى يعظمون أمر اللحن في الحديث ، فهذا إمام أهل الشام «الأوزاعيّ» يقول : «أعربوا الحديث فإن القوم كانوا عربا» ، ويقول : «لا بأس بإصلاح اللحن في الحديث».
__________________
(١) «الكفاية» ١٧٨.
(٢) شدا ، يشدو ، شدوا ، من باب قتل ، يقال : شدا من العلم شيئا ، وهو شاد ، وأخذ منه شدا : طرفا وذروا. «أساس البلاغة» (شدو).
(٣) «قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث» ١٧٣.