المبحث الثاني : اعتبار العلوّ والاستعلاء في صدق مادّة الأمر بمعنى الطلب
اختلف الأصوليون في اعتبار العلو والاستعلاء في صدق الأمر بمعنى الطلب على أقوال:
١. يعتبر في صدق مادة الأمر وجود العلوّ في الآمر دون الاستعلاء ، لكفاية صدور الطلب من العالي وإن كان مستخفضا لجناحه عند العقلاء ، وهوخيرة المحقّق الخراساني قدسسره
٢. يعتبر في صدق مادة الأمر كلا الأمرين ، فلا يعدّ كلام المولى مع عبده أمرا إذا كان على طريق الاستدعاء ، وهو خيرة السيد الإمام الخميني قدسسره.
٣. يعتبر في صدق مادة الأمر أحد الأمرين : العلو أو الاستعلاء ، أمّا كفاية العلو فلما تقدّم في دليل القول الأوّل ، وأمّا كفاية الاستعلاء ، فلأنّه يصحّ تقبيح الطالب السافل المستعلي ، ممّن هو أعلى منه وتوبيخه بمثل «إنّك لم تأمرني؟».
٤. لا يعتبر في صدق مادة الأمر واحد منهما ، وهو خيرة المحقّق البروجردي قدسسره.
الظاهر هو القول الثاني ، فإنّ لفظ الأمر في اللغة العربية معادل للفظ «فرمان» في اللغة الفارسية ، وهو يتضمن علوّ صاحبه ، ولذلك يذم إذا أمر ولم يكن عاليا.
وأمّا اعتبار الاستعلاء فلعدم صدقه إذا كان بصورة الاستدعاء ، ويشهد له قول بريرة(١) لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «تأمرني يا رسول الله؟ قال : إنّما أنا شافع» فلو كان
__________________
(١) روى أحمد بن حنبل في مسنده عن ابن عباس : لما خيّرت بريرة (بعد ما أعتقت وخيّرت بين البقاء مع زوجها أو الانفصال عنه) رأيت زوجها يتبعها في سكك المدينة ودموعه تسيل على لحيته ، فكلّم العباس ليكلّم فيه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لبريرة انّه زوجك ، فقالت : تأمرني يا رسول الله؟ قال : «إنّما أنا شافع» ، قال : فخيّرها فاختارت نفسها. (مسند أحمد : ١ / ٢١٥).