وعلى ذلك إنّما يصحّ التمسّك في نفي الجزئية والشرطية بالإطلاقات الواردة لبيان الموضوع بأجزائه وشرائطه دون ما كان في مقام الإجمال والإهمال ، فإن ترك بيان ما هو الدخيل في الغرض قبيح في الأوّل دون الثاني.
مثل قوله سبحانه : (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (المائدة / ٤).
فالآية بصدد بيان أنّ ما أمسكه الكلب بحكم المذكّى إذا ذكر اسم الله عليه وليس بميتة ، فهي في مقام بيان حليّة ما يصيده الكلب وإن مات الصيد قبل أن يصل إليه الصائد.
وهل يصحّ التمسّك بإطلاق قوله : (فَكُلُوا) على طهارة موضع عضّه وجواز أكله بدون غسله وتطهيره ، أو لا؟
الظاهر ، لا لأنّ الآية بصدد بيان حلّيته وحرمته لا طهارته ونجاسته ، فقوله تعالى : (فَكُلُوا) لرفع شبهة حرمة الأكل ، لأجل عدم ذبحه بالشرائط الخاصة ، لا بصدد بيان طهارته من أجل عضّه.
وأمّا المقدّمة الثانية أي انتفاء ما يوجب التقييد ، والمراد منه عدم وجود قرينة على التقييد لا متصلة ولا منفصلة ، لأنّه مع القرينة المتصلة لا ينعقد للكلام ظهور إلاّ في المقيد ومع المنفصلة وإن كان ينعقد للكلام ظهور في الإطلاق ولكن يسقط عن الحجّية بالقرينة المنفصلة.
وأمّا المقدّمة الثالثة ، أي انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب والمحاورة ، فمرجعه إلى أنّ وجود القدر المتيقن في مقام المحاورة بمنزلة القرينة الحالية المتصلة ، فلا ينعقد للكلام ظهور في الإطلاق.
تتميم : الأصل في كلّ متكلّم أن يكون في مقام البيان ، فلو شكّ أنّ المتكلّم