وإن كانت لا تخلو في الواقع عن علّة [كقوله (١) : لم يحك] أي لم يشابه [نائلك] أي عطاءك [السّحاب وإنّما* حمت به] أي صارت محمومة بسبب نائلك وتفوّقه عليها (١) [فيصيبها الرّحضاء (٢)] أي فالمصبوب من السّحاب هو عرق الحمى ، فنزول المطر من السّحاب صفة ثابتة لا يظهر لها في العادة علّة ، وقد علّله (٣) بأنّه عرق حماها الحادثة بسبب عطاء الممدوح ، [أو يظهر لها] أي لتلك الصّفة [على غير] العلّة [المذكورة (٤)] لتكون المذكورة غير حقيقيّة ، فتكون من حسن التّعليل (٥) [كقوله (٦) :
ما به قتل أعاديه ولكن |
|
يتّقي أخلاف ما ترجو الذّئاب |
________________________________________________________
(١) أي قول أبي الطّيب ، وحاصل المعنى : أنّ عطاء السّحاب لا يشابه عطاءك في الكثرة ، ولا في الصّدور عن الاختيار ، ولا في وقوعه موقعه المناسب له ، لأنّ السّحاب لا اختيار لها في نزول المطر ، فقد يكون نزوله في غير موقعه المناسب كما هو المحسوس المشاهد لكلّ أحد.
(٢) أي على السّحاب ، أي على نائلها.
(٣) بفتح الحاء وضم الرّاء ، وهو عرق المحموم ، وإلى هذا المعنى أشار بقوله : «أي فالمصبوب من السّحاب هو عرق الحمى» ، وأما الشّاهد فبيّنه بقوله : «فنزول المطر من السّحاب صفة ثابتة له» في نفسها.
(٤) أي الشّاعر «بأنّه» ، أي بأنّ نزول المطر «عرق حماها الحادثة» تلك الحمى «بسبب عطاء الممدوح» ، فالعلّة هي الحمى ، والصّفة هي نزول المطر ، ولا شكّ أنّ استخراج هذه العلّة المناسبة إنّما يحتاج إلى نظر لطيف وتأمّل دقيق ، وليست علّة في نفس الأمر وفي الواقع.
(٥) في كلام المتكلّم ، وإنّما قيّد العلّة الظّاهرة بكونها غير العلّة المذكورة.
(٦) لما عرفت في أوّل المبحث من أنّه لا بدّ في حسن التّعليل من أن لا يكون موافقا لما في نفس الأمر ، وأن لا تكون العلّة حقيقيّة ، والعلّة المذكورة حقيقيّة.
(٧) أي قول أبي الطّيب المتنبّي ، وأمّا الشّاهد فقد بيّنه بقوله : «فإنّ قتل الأعداء أي قتل الملوك أعدائهم إنّما يكون في العادة لدفع مضرّتهم والنّجاة من شرّهم ، وخلوص الملك من ضرّهم فقد نفى علّيتها بحصر العليّة في الاتّقاء من خيبة الرّجاء ، وعلّله بغير ما هو علّته في