أي موضع ذهاب للحاجات [ملوك] أي في ذلك الجانب ملوك [وإخوان (١) إذا ما مدحتهم* أحكم (٢) في أموالهم] أي أتصرّف بها كيف شئت. ـ [وأقرب (٣)] عندهم وأصير رفيع المرتبة [كفعلك (٤)] أي كما تفعله أنت [في قوم أراك اصطنعتهم] وأحسنت إليهم [فلم ترهم في مدحهم لك أذنبوا] أي لا تعاتبني على مدح آل جفنة المحسنين إليّ والمنعّمين عليّ كما لا تعاتب قوما أحسنت إليهم فمدحوك فكما أنّ مدح أولئك لا يعدّ ذنبا كذلك مدحي لمن أحسن إليّ ، وهذه الحجّة على طريق التّمثيل (٥) الّذي يسمّيه الفقهاء قياسا.
________________________________________________________
(١) إشارة إلى أنّ هؤلاء الملوك متّصفون بالتّواضع ، لأنّهم مع اتّصافهم برفعة الملك يصيّرون النّاس إخوانا لهم ، ويعاملونهم معاملة الإخوان بسبب تواضعهم.
(٢) مبنيّ للمفعول ، أي أجعل حاكما في أموالهم ، ومتصرّفا فيها بما شئت أخذا وتركا.
(٣) أيضا مبنيّ للمفعول ، أي أجعل قريبا منهم بسبب التّوقير والتّعظيم والإعطاء.
(٤) أي يجعلونني حكما في أموالهم ، ومقرّبا لهم رفيع المنزلة عندهم ، كما تفعل أنت في قوم أراك اصطنعتهم ، أي اصطفيتهم ، أي اخترتهم ، وأحسنت إليهم «فلم ترهم» أي لم تعدّهم «في مدحهم لك أذنبوا» أي لم تعدّهم مذنبين في مدحهم إيّاك.
(٥) وقد اعترض على المصنّف ، حيث مثّل بهذه الأبيات للمذهب الكلامي ، مع أنّ مذهب الكلامي كما بيّن في صدر المبحث ، هو إيراد حجّة للمطلوب على طريقة أهل الكلام ، وذلك بأن يذكر قياس اقتراني أو استثنائي يكون بعد تسليم المقدّمات مستلزمة للمطلوب ، وهذه الحجّة المذكورة في هذه الأبيات حسبما بيّن على صورة التّمثيل ، وهو تشبيه جزئي بجزئيّ آخر ، وهذا هو الّذي يسمّيه الفقهاء قياسا.
وقد أجيب عن هذا الاعتراض بأنّه يمكن ردّ هذا المثال إلى صورة قياس استثنائي بأن يقال : لو كانت مدحي لآل جفنة ذنبا لكان مدح ذلك القوم لك أيضا ذنبا.
بيان الملازمة اتّحاد الموجب للمدحين ، وهو وجود الإحسان ، فإذا كان أحد السّببين ذنبا كان الآخر كذلك ، ولكن اللّازم هو كون مدح ذلك القوم لك ذنبا باطل ، فكذا الملزوم ، وهو كون مدحي لآل جفنة ذنبا ، فثبت المطلوب وهو انتفاء الذّنب عنّي بالمدح ولزم منه نفي العتب ، إذ لا عتب إلّا على ذنب. ويمكن ردّه إلى قياس اقتراني ، فيقال : مدحي مدح بسبب الإحسان ، وكلّ مدح بسبب الإحسان ، فلا عتب فيه ، ينتج مدحي لا عتب فيه.