لأنّ تخصيص الشّيء بالشّيء إمّا أن يكون بحسب الحقيقة ، وفي نفس الأمر (١) بأن لا يتجاوزه إلى غيره أصلا ، وهو الحقيقيّ (٢) أو بحسب الإضافة إلى شيء آخر ، بأن لا يتجاوزه إلى ذلك الشّيء ، وإن أمكن أن يتجاوزه إلى شيء آخر في الجملة ، وهو غير حقيقيّ ، بل إضافيّ (٣) كقولك : ما زيد إلّا قائم ، بمعنى أنّه (٤) لا يتجاوز القيام إلى القعود ، لا بمعنى أنّه لا يتجاوزه إلى صفة آخر أصلا (٥) وانقسامه (٦) إلى الحقيقيّ والإضافيّ بهذا المعنى لا ينافي كون التّخصيص مطلقا من قبيل الإضافات.
______________________________________________________
(١) حاصل ما يظهر من الشّارح في انقسام القصر إلى حقيقيّ وغير حقيقيّ ، أنّ الحقيقيّ نسبة إلى الحقيقة ، بمعنى نفس الأمر ، لأنّ قوله : «وفي نفس» عطف تفسيريّ للحقيقة يسمّى القصر قصرا حقيقيّا ، لأنّ عدم تجاوز المقصور للمقصور عليه فيه بحسب نفس الأمر ، وأنّ الإضافيّ نسبة للإضافة ، لأنّ عدم التّجاوز فيه بالإضافة إلى شيء مخصوص ، وفيه نظر ، فإنّ عدم التّجاوز في كلّ من الحقيقيّ والإضافي بحسب نفس الأمر ، إذ لا بدّ في كلّ منهما من المطابقة لنفس الأمر ، وإلّا كان كاذبا ، وحينئذ فلا تظهر مقابلة عدم التّجاوز بحسب الإضافة إلى شيء لعدم التّجاوز بحسب نفس الأمر ، لأنّ عدم التّجاوز بحسب الإضافة إلى شيء بحسب نفس الأمر أيضا ، كما علمت فلا يصحّ ما ذكره الشّارح.
(٢) كقولنا : لا رازق إلّا الله ، فإنّ حصر الرّازقيّة في الله سبحانه وتخصيصها به ، بالنّسبة إلى جميع ما عداه بمعنى أنّ هذه الصّفة لا يتجاوزه إلى غيره.
(٣) دفع لتوهّم أنّ المراد بكونه غير حقيقيّ أنّه مجازيّ ، كما قيل.
(٤) أي زيد لا يكون قاعدا لا يتجاوز القيام إلى القعود ، ولكن يتجاوزه إلى غيره من العلم والشّعر والكتابة.
(٥) أي لو لم يتجاوز إلى صفة أخرى أصلا لكان القصر حقيقيّا ، وهو خلاف المفروض.
(٦) جواب عن سؤال مقدّر ، وهو أنّ القصر هو التّخصيص والتّخصيص مطلقا ، أي سواء كان حقيقيّا أو إضافيّا من الأمور الإضافيّة ، لأنّها عبارة عن جعل شيء خاصّا بشيء ، فلا محالة يتوقّف تصوّره على تصوّرهما ، فإذا يمتنع اتّصافه بالحقيقيّ ، فلا يصحّ تقسيمه إلى الحقيقيّ والإضافيّ ، لأنّه من تقسيم الشّيء إلى نفسه وغيره.