حينئذ فلا يكون مفيدا للاختصاص ، بخلاف ما إذا كانت سالبة ، فإنّ المصحّح عندئذ وقوعها في سياق النّفي ، فيكون التّقديم للاختصاص ، لأنّ القضيّة سالبة.
ومن هنا نستكشف أنّ قوله : «إنّ عدم الغول ...» ليس إشارة إلى كون الآية قضيّة معدولة الموضوع ، بل هو بيان لما هو حاصل المعنى ومرجعه ، فلا يصغى إلى ما ذكره غير واحد من أنّ كلامه هذا إشارة إلى أنّ الآية قضيّة معدولة الموضوع ، كما أنّ قوله : «وإن اعتبرت النّفي في جانب المسند ...» إشارة إلى أنّ الآية يمكن أن تكون قضيّة موجبة معدولة المحمول ، ولا إلى ما أجابوا به عن الوجه الأوّل بأنّ الظّرف يتوسّع فيه أكثر من غيره ، فلا يضرّ الفصل به بين حرف السّلب والموضوع.
وقالوا : إنّما نرتكب هذا العدول لئلا يرد أنّه إذا كان تقديم المسند في الآية للحصر كان معناها نفي حصر الغول في خمور الجنّة لا نفي الغول عنها ، وذلك لأنّ النّفي إذا دخل في كلام فيه قيد بوجه ما يتوجّه إليه ، فعلى هذا يفيد النّفي نفي القصر المستفاد من التّقديم لا ثبوته ، وهذا غير مقصود قطعا.
وعن الوجه الثّاني بأنّ المصحّح لوقوع المبتدأ نكرة في هذا الفرض جعل التّنوين للتّنويع إذا اعتبرنا العدول في جانب المحمول ، وكون الموضوع في تأويل المضاف ، أي عدم الغول إن اعتبرنا العدول في جانب الموضوع ، فإذا يصحّ جعل التّقديم للقصر.
ولا يصغى إلى الجواب بهذين الوجهين ، وجه عدم الإصغاء إنّ جعل التّنوين أو الموضوع بتأويل المضاف والالتزام بالتّوسّع في الظّرف على نحو لا يضرّ الفصل به بين حرف السّلب والموضوع على جعل حرف السّلب خبرا لما يليه تكلّفات باردة بنحو لا يرضى بها اللّبيب ، ولا ملزم يلزمنا على ارتكابها.
وما ذكروه من أنّ الموجب لذلك إنّ جعل القضيّة سالبة محصّلة مستلزم لأن يكون المراد بها نفي الحصر لا ثبوته فاسد قطعا لا أساس له ، لأنّ النّفي كثير ما يتوجّه إلى نفس الثّبوت كما في قوله تعالى : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)(١) ، فإنّ النّفي يكون متوجها إلى نفي الظّلم مقيّدا ذلك النّفي بالمبالغة في تحقّقه ، وليس النّفي مسلّطا على المبالغة في الظّلم لاستلزامه ثبوت
__________________
(١) سورة فصّلت : ٤٦