كأنّه قيل : قد انقضى الأمر لكنّك ما رأيته ، ولو رأيته لرأيت أمرا فظيعا [كما] عدل (١)
______________________________________________________
استقباليّة إلّا أنّها لمكان كونها متيقّنة الوقوع ، حيث أخبر بها من لا خلاف في إخباره ، جعلت بمنزلة الماضي المتحقّق الوقوع.
الثّاني : تنزيل المضارع أي (تَرى) منزلة الماضي لفظا في الدّلالة على التّحقّق في الجملة ، وكذلك معنى في كونه متحقّق الوقوع في الجملة ، وملاك كلّ من التّنزيلين هو كون الخبر ممّن لا خلاف في إخباره.
(١) قد عرفت أنّه استعمل المضارع مع لو ، لتنزيله منزلة الماضي ، لصدوره عمّن لا خلاف في إخباره كما استعمل المضارع بمعنى الماضي للتّنزيل والصّدور المذكورين في قوله تعالى : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ)(١) ، المعنى ربّما يتمنّى الكفّار يوم القيامة حين يرون الهوان والعذاب كونهم على الإسلام في الدّنيا حين كان العمل يرفع والتّوبة تنفع.
وروي مرفوعا عن النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : (إذا اجتمع أهل النّار ، ومعهم من يشاء الله من أهل القبلة قال الكفار للمسلمين : ألم تكونوا مسلمين! قالوا : بلى ، قالوا : فما أغنى عنكم إسلامكم ، وقد سرتم معنا في النّار؟ قالوا : كانت لنا ذنوب ، فأخذنا بها ، فيسمع الله عزوجل ما قالوا ، فأمر من كان في النّار من أهل الإسلام ، فأخرجوا منها ، فحينئذ يقول الكفّار : يا ليتنا كنّا مسلمين.
والشّاهد : في (رُبَما) حيث أدخلت ربّ المكفوفة بما على المضارع لتنزيله لفظا ومعنى بمنزلة الماضي ، لصدوره عمّن لا خلاف في إخباره.
والباعث على هذا التّنزيل ما ذكره أبو علي ، ومن تبعه من البصريّين من أنّ ربّ المكفوفة بما لا تدخل إلّا على الماضي ، وحيث إنّ إظهار الكفّار ودادتهم للإسلام أمر استقباليّ ، لكونه في القيامة فلابدّ من ارتكاب التّنزيل بملاك أنّه ممّا أخبر به من لا خلاف في إخباره.
فالآيتان تشتركان في العدول والتّنزيل بناء على أنّهما كلام من لا خلاف في إخباره ، والمستقبل عنده بمنزلة الماضي في تحقّق الوقوع ، وتفترقان في أنّ الدّاخل على المضارع في كلّ منهما غير الدّاخل عليه في الأخرى ، واستعمال كلّ واحد من الدّاخلين ههنا قرينة على العدول والتّنزيل ، لكونه واقعا في غير محلّه لأنّ محلّه حقيقة هو الماضي حقيقة.
نعم لا يخفى أنّ توضيح التّنزيل فيما هو بصدده بهذه الآية مع ما فيها من الخلاف المبيّن
__________________
(١) سورة الحجر : ٣.