والرّبط (١) دون الشّرط (٢) نحو : زيد وإن كثر ماله بخيل (٣) ، وعمرو وإن أعطي جاها لئيم (٤) وفي غير ذلك (٥) قليلا ، كقوله ((١)) :
فيا وطني إن فاتني بك سابق |
|
من الدّهر فلينعم لساكنك البال (٦) |
______________________________________________________
(١) أي ربط الحال بذي الحال ، وعطف الرّبط على الوصل تفسيري.
(٢) أي التّعليق ، ويفهم منه أنّ إن تخرج عن الشّرطيّة بواو الحال ، فلا يذكر لها حينئذ جزاء ، هذا أحد الأقوال ، قيل : إنّ الجزاء هي الجملة المذكورة ، وقيل : إنّه مقدّر بقرينة الجملة المذكورة.
(٣) أي زيد بخيل ، والحال أنّ ماله كثير ، ولا شكّ أنّ هذا يدلّ على بخله على نحو آكد ، لأنّه إذا ثبت له البخل حال كثرة المال لكان لازما له غير منفكّ عنه.
(٤) ولا ريب في أنّ العامل في الحال في مثل المثالين ممّا يكون الخبر فيه مشتقّا هو الخبر ، ثمّ إنّ الدّليل على عدم كون المعنى على الاستقبال في هذين المثالين كونهما مسوقين لغرض التّوبيخ ، ومن المعلوم أنّه لا مجال للتّوبيخ بالإضافة إلى من لم يكن متّصفا بالبخل فعلا ، وإنّما يتّصف به بعد ، وحيث إنّ عدم الاستقبال مقطوع لا مجال لارتكاب التّأويل فيهما وأمثالهما ، فلابدّ من الالتزام بالمجاز.
(٥) أي وقد تستعمل إن في غير الاستقبال بدون لفظ كان ، وبغير واو الحال قليلا.
(٦) معنى المفردات : «الوطن» بالواو والطّاء المهملة والنّون بمعنى المنزل ومحلّ الإقامة «فاتني» بالفاء المثنّاة ، ماض بمعنى ذهب عني «السّابق» الماضي «فلينعم» اللّام دعائيّة ، وينعم بمعنى عيش ناعم ، أي ليّن حسن ، «البال» بالموحّدة القلب.
وحاصل معنى البيت : إن كان زمن سابق من الدّهر فوّت عليّ المقام في وطني ، ولم يتيّسر لي الإقامة فيه ، وتولّاه غيري فلا لوم عليّ ، لأنّي تركته من غير عيب فيه ، فلتطلب به قلوب ساكنيه ، والغرض من ذلك إظهار التّحسّر والتّحزّن على مفارقة الوطن.
والشّاهد : في قوله : «إن فاتني» حيث استعمل فيه إن مع الماضي لفظا ومعنى ، للجزم بأنّ المعنى على المضيّ المحض ، لا على الاستقبال ، لما عرفت من أنّ البيت مسوق لغرض التّأثر والتّحزّن على مفارقة لوطن.
__________________
(١) أي قول أبي العلاء المعرّي.