والحال (١) وهو أجزاء من أواخر الماضي وأوائل المستقبل متعاقبة من غير مهلة وتراخ (٢) ، وهذا أمر عرفيّ.
______________________________________________________
الشّيء ظرفا لنفسه ، أو أن يكون للزّمان زمان آخر هو ظرف له ، لأنّ الأفعال الواقعة في التّعاريف لا دلالة لها على زمان انتهى.
(١) أي الزّمان الحاضر عبارة عن آنات من أواخر الماضي وأوائل المستقبل ، بمعنى أنّ زمان الحال لا مصداق له حقيقة وبحسب الدّقّة العقليّة ، حيث إنّ الزّمان مركّب من الآنات ، وهي منصرمة الوجود لا يمكن اجتماعها في الوجود حتّى يتحقّق به زمان الحال ، وإنّما هو موجود بحسب نظر أهل العرف فإنّهم يعدّون آنات من أواخر الماضي وأوائل المستقبل حالا ، وليس له مقدار معيّن بل تعيين مقداره أيضا مفوّض إلى العرف بحسب الأفعال ، فإنّهم يقولون : زيد يأكل ، ويكتب ، ويقرأ القرآن ، ويصلّي ، ويعدّون كلّ ذلك واقعا في الحال ، مع أنّه لا شكّ في اختلاف مقادير أزمنتها. فالتّعريف المذكور تعريف للحال العرفي.
وقيل : إنّ الحال أجزاء من أواخر الماضي وأوائل المستقبل ، مع ما بينهما من الآن الحاضر ، فإنّه لا وجه للاقتصار على الطّرفين ، بل ذكر بعضهم أنّه حقيقة في الآن الحاضر ، لكن لقصره احتاجوا إلى الاعتماد على أجزاء قبله ، وأجزاء بعده.
(٢) أي من غير مهملة وتراخ بين كلّ جزء وما يليه ، لا بين أوّل الأجزاء وآخرها ، إذ المهلة بينهما لازمة إذا طالت المدّة ، كما يقال : زيد يصلّي ، والحال إنّ بعض صلاته ماض ، وبعضها باق فجعلوا الصّلاة الواقعة في الآنات الكثيرة المتعاقبة واقعة في الحال ، فليس الحال زمن التّكلّم فقطّ ، فقوله : «من غير مهلة ...» تفسير وتوضيح لقوله : «متعاقبة» ، أي من غير فصل بين الأجزاء ، وليس قيدا احترازيا عمّا لو كانت الأجزاء متّصلة ، لكن كانت كثيرة ، كشهر وسنة ، فإنّ الأجزاء وإن كانت متعاقبة ، لكن هناك مهلة وتراخ بين أوّلها وآخرها ، لأنّ المجموع لا يخرج عن أن يكون حالا ، لأنّه حيث فرض أنّ هناك أجزاء متّصلة ، فالمهلة بين أوّلها وآخرها لازمة ، فلا معنى لاشتراط انتفاء ذلك.
ثمّ المشار إليه في قوله : «وهذا أمر عرفيّ» يمكن أن يكون مقدار زمان الحال أي مقداره عرفيّ أي مبنيّ على عرف أهل العربيّة ، ويمكن أن يكون تعريف الحال ، أي هذا التّعريف تعريف للحال العرفيّ ، وهو الزّمان الّذي يقع فيه الفعل ، ويقدّر بقدره ، فيختلف باختلافه ،