وكان الأخفش يقول : إنّها (فعيلة) مشتقة من (السرور) لأنّها يسرّ بها وإنّما حكمنا بأنّها (فعليّة) ولم نقل : إنّها (فعيلة) لضربين : لأن مثال (فعليّة) كثيّر نحو : قمرية وفعيلة قليل نحو :مريقة.
والضرب الآخر : الاشتقاق وما يدلّ عليه المعنى ؛ لأن الذي يقول إنّها (فعيلة) يقال له :ممّ اشتققت ذلك ، فإن قال : أردت : ركبت سراتها وسراة كلّ شيء أعلاه فقد ردّ هذا أبو الحسن الأخفش فقال : ذا لا يشبه ؛ لأن الموضع الذي تؤتى المرأة منه ليس هو سراتها وإنّما سراة الشيء ظهره أو مقدمه ؛ لأن أول النهار سراته وظهر الدابة : سراتها فهذا عندي بعيد كما قال أبو الحسن ، فإن قيل : إنّه من (سريت) فهو أقرب من أن يكون من (السّراة) والصواب عندي ما بدأت به ، وأما (عليّة) فهي (فعيّلة) ولو كانت (فعليّة) لقلت (علويّة) وهي من (علوت) ؛ لأن هذه الواو إذا سكن ما قبلها صحت كما تنسب إلى (دلو) دلويّ ولكنّها قلبت في (عليّة) لمّا كانت (فعيّلة) مثل (مريّقة) وكان الأصل (عليوة) فأبدلت الواو ياء وأدغمت الياء فيها وكذلك كلّ ياء ساكنة بعدها واو تقلب لها ياء وتدغم فيها وقد مضى ذكر هذا في الكتاب.
ومن ذلك قولهم : لا أدر ولم يك ولم أبل وجميع هذه إنّما حذفت لكثرة استعمالهم إيّاها في كلامهم وإنّما كثر استعمالهم لهذه الأحرف للحاجة إلى معانيها كثيرا لأنّ : لا أدري أصل في الجهالات ويكون عبارة عن الزمان ولم أبل مستعملة فيما لا يكترث به وهذه أحوال تكثر فيجب أن تكثر الألفاظ التي يعبر بهنّ عنها وليس كلّ ما كثر استعماله حذف فأصل لا أدر : لا أدري وكان حقّ هذه الياء أن لا تحذف إلّا لجزم فحذفت لكثرة الاستعمال وحقّ لم يك : لم يكن وكان أصل الكلمة قبل الجزم (يكون) فلمّا دخلت عليها (لم) فجزمتها سكنت النون فالتقى ساكنان ؛ لأن الواو ساكنة فحذفت الواو لالتقاء الساكنين فوجب أن تقول : لم يكن فلمّا كثر استعمالها وكانت النون قد تكون زائدة وإعرابا في بعض المواضع شبهت هذه بها وحذفت هنا كما تحذف في غير هذا الموضع وأمّا : لم أبل فحقه أن تقول : لم أبال كما تقول لم أرام يا هذا فحذفت الألف لغير شيء أوجب ذلك إلّا ما يؤثرونه من الحذف في بعض ما يكثر استعماله وليس هذا مما يقاس عليه.