ولقد مرض حتى لا يرجونه إنما يراد أنه الآن لا يرجونه وأن هذه حاله وقت كلامه (فحتى) هاهنا كحرف من حروف الابتداء والرفع في الوجهين جميعا كالرفع في الاسم ؛ لأن حتى ينبغي أن يكون الفعل الأول هو الذي أدى إلى الثاني ؛ لأنه لو لا سيره لم يدخل ولو لا ما رأى منه في العام الأول ما كان لا يستطيع أن يكلمه العام ولو لا المرض ما كان لا يرجى وهذا مسألة تبين لك فيما فرق ما بين النصب والرفع تقول : كان سيري حتى أدخلها فإذا نصبت كان المعنى : إلى أن أدخلها فتكون (حتى) وما عملت فيه خبر كان ، فإن رفعت ما بعد (حتى) لم يجز أن تقول : كان سيري حتّى أدخلها لأنك قد تركت (كان) بغير خبر ؛ لأن معنى (حتى) معنى الفاء فكأنك قلت : كان سيري فأدخلها ، فإن زدت في المسألة ما يكون خبرا (لكان) جاز فقلت : كان سيري سيرا متعبا حتى أدخلها وعلى ذلك قرىء : (حتى يقول الرسول) (١) [البقرة : ٢١٤] وحتى يقول : من نصب جعله غاية ومن رفع جعله حالا.
__________________
(١) اختلفوا في نصب اللام ورفعها من قوله جل وعز : (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ.)
فقرأ نافع وحده : حتى يقول الرسول برفع اللام.
وقرأ الباقون : حتى يقول الرسول نصبا. وقد كان الكسائي يقرؤها دهرا رفعا ، ثم رجع إلى النصب.
وروى ذلك عنه الفراء ، قال : حدثني به ، وعنه محمد بن الجهم ، عن الكسائي.
قال أبو علي : قوله عز وجل : (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) من نصب فالمعنى : وزلزلوا إلى أن قال الرسول.
وما ينتصب بعد حتى من الأفعال المضارعة على ضربين : أحدهما : أن يكون بمعنى إلى ، وهو الذي تحمل عليه الآية. والآخر : أن يكون بمعنى كي ، وذلك قولك : أسلمت حتى أدخل الجنة ، فهذا تقديره : أسلمت كي أدخل الجنة. فالإسلام قد كان ، والدخول لم يكن ، والوجه الأول من النصب قد يكون الفعل الذي قبل حتى مع ما حدث عنه قد مضيا جميعا. ألا ترى أن الأمرين في الآية كذلك.
وأما قراءة من قرأ : (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) بالرفع ، فالفعل الواقع بعد حتى إذا كانا مضارعا لا يكون إلا فعل حال ، ويجييء أيضا على ضربين :
أحدهما : أن يكون السبب الذي أدّى الفعل الذي بعد حتى قد مضى ، والفعل المسبب لم يمض ، مثال ذلك قولهم : (مرض حتى لا يرجونه) و: (شربت الإبل حتى يجيء البعير يجر بطنه). وتتجه على هذا الوجه الآية ،