قال ابن فارس : وهذا كلام حريّ أن يكون صحيحا ، وما بلغنا أن أحدا ممن مضى ادّعى حفظ اللغة كلّها ، فأما الكتاب المنسوب إلى الخليل ، وما في خاتمته من قوله : هذا آخر كلام العرب ، فقد كان الخليل أورع وأتقى لله تعالى من أن يقول ذلك.
وقد سمعت عليّ بن محمد بن مهرويه يقول : سمعت هارون بن هزاري يقول : سمعت سفيان بن عيينة يقول : من أحبّ أن ينظر إلى رجل خلق من الذّهب والمسك فلينظر إلى الخليل بن أحمد.
وأخبرني أبو داود سليمان بن يزيد عن ذلل المصاحفي عن النّضر بن شميل قال : كنا نميّل بين ابن عون والخليل بن أحمد أيهما نقدّم في الزهد والعبادة فلا ندري أيهما نقدّم؟
قال : وسمعت النضر بن شميل يقول : ما رأيت أحدا أعلم بالسّنّة بعد ابن عون من الخليل بن أحمد.
قال : وسمعت النضر يقول : أكلت الدنيا بأدب الخليل وكتبه وهو في خصّ لا يشعر به.
قال ابن فارس : فهذا مكان الخليل من الدّين ، أفتراه يقدم على أن يقول : هذا آخر كلام العرب؟!
ثم إن في الكتاب الموسوم به من الإخلال ما لا خفاء به على علماء اللغة ، ومن نظر في سائر الأصناف الصحيحة علم صحّة ما قلناه. انتهى كلام ابن فارس.
وهذا الذى نقله عن بعض الفقهاء نصّ عليه الإمام الشافعى رضي الله عنه فقال في أوائل الرسالة : لسان العرب أوسع الألسنة مذهبا وأكثرها ألفاظا ، ولا نعلم أن يحيط بجميع علمه إنسان غير نبيّ ، ولكنه لا يذهب منه شيء على عامّتها حتى لا يكون موجودا فيها من يعرفه ، والعلم به عند العرب كالعلم بالسّنة عند أهل الفقه ، لا يعلم رجل جميع السنن فلم يذهب منها عليه شيء ، وإذا جمع علم عامة أهل العلم بها أتى على السّنن ، وإذا فرّق علم كلّ واحد منهم ذهب عليه الشيء منها ، ثم ما ذهب منها عليه موجود عند غيره ، وهم في العلم طبقات منهم الجامع لأكثره وإن ذهب عليه بعضه ، ومنهم الجامع لأقلّ مما جمع غيره ، وليس قليل ما ذهب من السّنن على من جمع أكثرها ، دليلا على أن يطلب علمه عند غير أهل طبقته من أهل