الثالث : كان على من يستدلّ بالآية أن يرفع إبهامها بمقابلها ، فإنّ الآيات تتألف من ثلاث مقاطع متقابلة ، بالنحو التالي :
١. (كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) يقابلها (وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ).
٢. (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) يقابلها (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ).
٣. (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) يقابلها (تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ).
فقوله : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) كما ترى يقابلها قوله : (تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) ، فبما انّ الجملة المقابلة صريحة في أنّ أصحاب الوجوه الباسرة ينتظرون العذاب الكاسر لظهرهم ويظنون نزوله ومثل هذا الظن لا ينفك عن الانتظار ، فتكون قرينة على أنّ أصحاب الوجوه المشرقة ينظرون إلى ربّهم ، أي يرجون رحمته ، حتّى تكون الجملة متقابلة لمقابلها.
وإلاّ فلو حمل قوله سبحانه : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) إلى رؤية الله خرجت الجملة عن التقابل ويعود كلاماً عارياً عن البلاغة ويكون مفاد المتقابلين كالشكل التالي :
أصحاب الوجوه الناضرة ...... ينظرون إلى الله ويرونه سبحانه.
أصحاب الوجوه الباسرة ...... ينتظرون نزول العذاب والنقمة.
وهو كما ترى لا يليق أن ينسب إلى الوحي.
على أنّك تجد هذا التقابل والانسجام في آيات أُخرى وكأنّ الجميع سبيكة واحدة.
١. (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ) (ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ).
٢. (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ) (تَرْهَقُها قَتَرَةٌ). (١)
__________________
(١) عبس : ٤١٣٨.