وطراوته ، ويجدّده ويصونه عن الاندراس ، ويغني المسلمين عن موائد الأجانب ، بإعطائه كلّ موضوع ما يقتضيه من حكم.
أمّا لزوم فتح هذا الباب في أعصارنا هذه فلا يحتاج إلى البرهنة والدليل ، إذ نحن في زمن تتوالى فيه الاختراعات والصناعات ، وتستجدّ الحوادث التي لم يكن لها مثيل فيما غبر ، وتجعلنا هذه المجالات امام أحد أُمور :
إمّا بذل الوسع في استنباط أحكام الموضوعات الحديثة ، من الأُصول والقواعد الإسلامية أو اتّباع المبادئ الأُوروبية ، من غير نظر إلى مقاصد الشريعة ، وإمّا الوقوف من غير إعطاء حكم. (١)
وليس الاجتهاد من البدع المحدثة ، فانّه كان مفتوحاً في زمن النبوة وبين أصحابه ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ فضلاً عن غيرهم وفضلاً عن سائر الأزمنة التي بعده ، نعم غايته انّ الاجتهاد يومئذ كان خفيف المئونة جدّاً لقرب العهد وتوفر القرائن وإمكان السؤال المفيد للعلم القاطع ، ثمّ كلّما بعد العهد من زمن الرسالة وكثرت الآراء والأحاديث والروايات ، ربّما قد دخل فيها الدسّ والوضع ، وتوفرت دواعي الكذب على النبي ، أخذ الاجتهاد ومعرفة الحكم الشرعي ، يصعب ويحتاج إلى مزيد من المئونة واستفراغ الوسع. (٢)
ولم يزل هذا الباب مفتوحاً عند الشيعة ، من زمن صاحب الرسالة إلى يومنا هذا ، وقد تخرج منهم الآلاف من المجتهدين والفقهاء ، قد أحيوا الشريعة وأنقذوها من الانطماس ، وأغنوا بذلك الأُمّة الإسلامية في كلّ مصر وعصر ، عن التطلّع إلى موائد الغربيّين ، وألّفوا مختصرات ومطوّلات لا يحصيها إلاّ الله سبحانه.
__________________
(١) رسالة الإسلام : السنة الثالثة ، العدد الثاني عن مقال أحمد أمين المصري.
(٢) أصل الشيعة وأُصولها : ١١٩.