إلى كتاب الله أو إلى رسوله بالسؤال في حياته أو بالنظر إلى سنّته بعد وفاته وهذا قول مجاهد والأعمش وقتادة وهو الصحيح ـ إلى أن قال ـ : «وقد استنبط عليّ ـ رضياللهعنه ـ مدة أقل الحمل ـ وهو ستة أشهر من قوله تعالى : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) وقوله تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) فإذا فصلنا الحولين من ثلاثين شهراً بقيت ستة أشهر. (١)
وأين هذا (أي الرد إلى كتاب الله وسنّة رسوله) ، من الرجوع إلى القياس لأنّ قياس ما لا نصّ فيه على ما نصّ فيه لأجل تساوي الواقعتين في شيء أو في أشياء نحتمل أو نظنّ أن تكون جهة المشاركة هي العلّة لبناء الحكم ، ليس ردّاً إلى الله ورسوله ، لأنّ العلّة ، ليست منصوصة في كلامه أو كلام نبيّه ، بل مستنبطة بطريق من الطرق التي لا نذعن بإصابتها ، وبذلك يظهر ضعف ما استند إليه الشيخ أبو زهرة ، وذلك لأنّ الاهتداء بتعليل الأحكام إلى نفسها إنّما يصحّ إذا كانت العلّة مذكورة في كلامه سبحانه أو كلام رسوله ، لا ما إذا قام العقل الظنيّ باستخراج العلّة بالسبر والتقسيم أو بغيرهما من الطرق.
وثانياً : انّ الآية نزلت في مورد التخاصم والتحاكم ، كما يدلّ عليه قوله سبحانه في نفس الآية : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) ، وقوله سبحانه بعد هذه الآية : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ) (٢). ومن المعلوم أنّ الرجوع إلى القياس الظني لا يفضّ نزاعاً ولا يقطع اختلافاً ، وإنّما يقطع النزاعُ الرجوعَ إلى كتاب الله وسنّة رسوله اللّذين لا يختلف فيهما اثنان ، ولذلك تختلف فتاوى العلماء القائلين بحجيّة القياس في موارد كثيرة حيث إنّ
__________________
(١) تفسير القرطبي : ٥ / ٢٦٢.
(٢) النساء : ٦٠.