* ودون ذاك الأمر لمح باصر*
وقال غيره : رأيت فلاناً لمّاحاً باصراً ، أي : نظر بتحديق.
قلتُ : والقولُ هو الأوّل.
وقال الليث : إذا فَتَح الجَرْوُ عينَه قيل : بَصَّر تَبْصيراً.
ويقال : البصيرة : الدِّرع ، وكلُّ ما لُبِس من السلاح فهو بَصائرُ السّلاح.
ويقال للفِراسة الصادقة : فِراسةٌ ذاتُ بصيرة.
قال : والبصيرةُ : العِبْرة ، يقال : أما لك بصيرةٌ في هذا؟ أي : عِبْرةٌ تعتبر بها ، وأَنشَد :
في الذّاهِبِين الأوّلينَ |
من القُرون لنا بصائرْ |
أي : عِبَر.
اللِّحياني عن الكسائيّ : إن فلاناً لمَعْضُوب البُصَر : إذا أصاب جِلْدَه عُضابٌ ، وهو داءٌ يَخرج به.
ويقال : أعمى الله بصائره ، أي : فِطَنَه.
ويقال : بَصَّر فلانٌ تَبْصيراً : إذا أَتَى البَصْرة.
قال ابن أحمر :
أُخبِّرُ من لاقيتُ أنِّي مُبَصِّرٌ |
وكائنْ تَرَى قبلِي من الناس بَصّرَا |
وقال الليث : في البَصْرَة ثلاثُ لغات : بَصْرَة ، وبِصْرة ، وبُصْرة ، اللّغة العالية البَصْرة.
وقال أبو إسحاق في قول الله جلّ وعزّ : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) [الأنعام : ١٠٣] ، أعلمَ اللهُ جلّ وعزّ أنّه يُدرك الأبصار ، وفي هذا الإعلام دليلٌ على أن خَلْقَه لا يُدرِكون الأبصارَ ، أي : لا يعرفون حقيقة البَصر ، وما الشيءُ الَّذي به صارَ الإنسانُ يُبصِرُ من عَيْنيه دون أن يُبصِر من غيرهما من سائر أعضائه ، فأَعلَم أنّ خَلْقاً مِنْ خَلْقِه لا يُدرِك المخلوقون كُنْهَه ، ولا يُحيطون بِعلمه ، فكيف به جلَّ وعزّ ، فالأبصارُ لا تُحيط به ، (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).
فأمّا ما جاء من الأخبار في الرؤية وصحّ عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فغيرُ مدفوع ، وليس في هذه الآية دليلٌ على دَفعها ، لأن معنى هذه الآية معنى إدراكِ الشيء ، والإحاطة بحقيقته ، وهذا مَذهبُ أهلِ السّنّة والعلم بالحديث.
وقولُه جلّ وعزّ : (قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) [الأنعام : ١٠٤] ، أي : قد جاءكم القرآنُ الذي فيه البيانُ والبصائر ، (فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ) نَفْعُ ذلك ، (وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها) ضَررُ ذلك ، لأن الله غنيّ عن خَلْقه.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ : أبصَرَ الرجلُ : إذا خَرَجَ من الكُفْر إلى بَصيرة الإيمان ،