سُمُّوا جناً لأنّهُمُ اسْتَجنُّوا من الناس ، فلا يُرَوْنَ ، والجانُ هو أبو الجِنِ خُلِقَ من نارٍ ثم خُلِق منه نَسْلُه.
وقال الليث في قول الله : (تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌ وَلَّى مُدْبِراً) ، الجانُ : حيَّة بيضاءُ.
وقال أبو عمرٍو : الجانُ : الحيَّةُ ، وجمعُها : جوانُ.
وقال الزجَّاج : المعنى أنّ العصا صارت تَتَحَرَّكُ كما يتحرَّكُ الجانُ حركةً خفيفةً.
قال : وكانت في صورة ثُعْبَانٍ ، وهو العظيمُ من الحيَّات. ونحو ذلك ، قال أبو العباس.
قال : شبَّهَها في عِظَمِهَا بالثُّعْبان ، وفي خفّتِها بالجانِ.
ولذلك قال الله مرَّةً : (فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ) [الأعراف : ١٠٧] ومرَّةً (كَأَنَّها جَانٌ) [الشعراء : ٣٤].
وقوله جلَّ وعزَّ : (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) [الناس : ٦].
قال الزَّجَّاج : التَّأْويلُ عندي : «قُلْ أعُوذُ بربِّ النَّاسِ ، من شر الوسواس ، الذي يُوَسْوِسُ في صُدُورِ الناس من الجِنَّةِ الذي هو من الجنِ» و (النَّاسِ) معطوفٌ على (الْوَسْواسِ) ، المعنى : من شرِّ الوَسْوَاسِ ، ومن شر الناس.
وقال الليث : الجنّةُ : الْجُنونُ أيضاً.
ويقال : به جُنُونٌ ، وجِنَّةٌ ، ومَجَنَّةٌ.
وأنشد :
من الدَّارِمِيِّين الذين دماؤُهُمْ |
شِفَاءٌ من الدّاءِ المجنَّةِ والخبلِ |
قال : وأَرْضٌ مجَنَّةٌ : كثيرةُ الجِنِ.
وقال أبو عمرٍو : الجانُ من الجنِ ، وجَمْعُه جِنَّانٌ.
وقال الفراء : الجُنُنُ : الجُنُونُ. وأنشد :
مِثلَ النَّعَامَةِ كانت وهي سالمةٌ |
أذْنَاء حتى زَهَاها الحَينُ والجُنُنُ |
وقوله جلَّ وعزَّ : (إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) [الكهف : ٥٠].
قال أبو إسحاق : في سياق الآية دليلٌ على أن إبْلِيسَ أُمِرَ بالسُّجود مع الملائكة.
قال : وأكثرُ ما جاء في التفسير أنّ إبليسَ من غير الملائكة ، وقد ذَكَر الله ذلك فقال : «كانَ مِنَ الْجِنِ».
وقيل أيضاً : إنَّ إبْلِيسَ من الجِنِ بِمَنْزِلَةِ آدَمَ من الإنْسِ.
وقد قيل : إنَ الجِنَ : ضَرْبٌ من الملائكة كانُوا خُزّانَ الأرض.
وقيل : خزّان الجنان ، فإن قال قائلٌ : كَيْفَ اسْتُثْنِيَ مع ذِكْرِ الملائكة؟ فقال : (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) [الكهف : ٥٠] فكيف وقع الاستِثْنَاءُ وهو ليس من الأوَّلِ؟
فالجوابُ في هذا أنَّهُ أُمِرَ معهم بالسُّجُود ، فاسْتُثْنِيَ من أنّه لم يَسْجُدْ ، والدليلُ على