ولعلك تقول : إن إطلاق الحزن [يورث] (١) الزفرة ويجري العبرة ، وهو يخمد الجمرة ، ويضعف قلب المصاب ، بل يفنى بجريان دموعه وتصاعد زفراته ، فينقطع الثواب المترتّب على أصل الحزن. ولو قيّد العبرة وحبس الدمعة ، لبقي الحزن والحرارة الثكل ، ودام واستمرّ ما يترتّب من الأجر والثواب.
ولكنك الخبير بأن القضايا الجليّة الّتي قياساتها معها ملازمة جريان الدمع للحزن الشديد ، ما لم يصب العين جمودٌ. قال الشاعر :
ألا إن عيناً لم تُجد يوم واسط |
|
حوا عليك بجاري دمعها لجمودُ |
فكيف يمكن انفكاك جريان دمع العين الصحيحة عن تأجّج نار الثكل؟ فلا يبقى أحدهما مع زوال الآخر والأجر والثواب مترتّبان علىٰ ذلك.
فإنْ قلت : إن العقل المجرّد عن الشوائب الوهميّة والعصبيّة والتقاليد القوميّة يحكم بكون الزفرة والتأوّه والصرخة ليست من صفات [الرجولة] (٢) ، ولا من الشهامة وعلوّ الهمّة ، فيكون مذموماً قبيحاً عند العقلاء. وقاعدة التلازم بين الحكم العقلي والشرعي تحرم ذلك.
قلت : إن فقد الأحبة بحسب الفطرة الإنسانيّة داع قويّ في جلب الحسرة للنفس والعبرة للعين والحرقة للقلب. ومن لطف الله بعباده
__________________
(١) في المطبوع : (يوثر).
(٢) في المطبوع : (الرجولية).